عزف رئيس الحكومة، عبد الإله بن كيران، على إيقاع المعطى الاجتماعي، في تناقض تام وسياسة حكومته، وهو الذي ظل خلال ولايته الحالية يضرب القدرة الشرائية، ويجهز على ما تحقق من تراكمات في مجال الحقوق والحريات، وبناء المؤسسات المؤطرة للديمقراطية التشاركية، صباح أول أمس الأحد فاتح ماي، حين مشاركته نقابة حزبه، الاتحاد الوطني للشغل، في عيد العمال الأممي، مرتديا قبعة «النقابي»، سعيا من أجل تحويل المناسبة إلى لحظة انتخابية لمحاولة استمالة تعاطف الشارع واستدرار عطف الناخبين!
بن كيران، وخلال كلمته بالمناسبة، استعمل خطابا تأجيجا ضد رجال السلطة، مستعرضا تفاصيل من واقعة قائد الدروة، معبّرا عن استغرابه لمتابعته في حالة سراح، مقابل اعتقال الزوجة والزوج المشتكيين، وكأن وزير العدل والحريات العامة هو من حزب آخر، أو أن صلاحيات رئيس الحكومة لا تشمله؟ ولم تقف غرائب رئيس الحكومة، الذي سعى للارتماء في حضن الشارع العام عند هذا الحدّ، بل تواصلت وهو يدعو رجال السلطة إلى التعامل مع المواطن بليونة ولو كان مخالفا للقانون، واعتماد الرفق في التعاطي مع جميع المواطنين الغاضبين، تفاديا لإقدامهم على خطوة إحراق أنفسهم، بدعوى أن المغرب هو ليس بلدا لحرق الذات، وذلك تفاديا لتكرار سيناريو «البوعزيزي»، وتناسى رئيس الحكومة حجم القمع والعنف الذي مورس على الأساتذة المتدربين خلال مسارهم النضالي، بمباركة منه، وبتعليمات مباشرة لوزارة الداخلية لاستهداف المحتجين، واختار اليوم لغة أخرى على بعد أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية المقبلة، وكأن المغاربة هم بدون ذاكرة!
رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي ذرف الدموع أمام أنصاره، صبّ جامّ غضبه على الأعداء والخصوم، موزعا الانتقادات والاتهامات ذات اليمين وذات الشمال، التي تفاعل معها أتباعه وهم يرفعون شعارات الفداء والتشبث بزعيمهم الذي لا تنازل عنه، وزادت مستويات التهييج، حين اعتمد مرة أخرى خطاب الدين كمعطى للتصنيف في الانتماء، ملوّحا بتوجهه «الإسلامي»، شأنه في ذلك شأن أعضاء حزبه، مشدّدا وبصريح العبارة على المرجعية «الإسلامية» لـ “العدالة والتنمية”. وأكّد بن كيران أنه وأنصاره مستعدون دفاعا عن هذا التوجه للفداء بالنفس، مستمرا في الوفاء لنهجه باستعمال الدين كعامل تصنيف للتمييز بين هذا التنظيم وغيره، وليس بناء على المشروع السياسي والمجتمعي؟
بن كيران الذي خندق فئة معينة في قالب ديني، وألبس نفسه وأتباعه في جبة “إسلامية”، تجاهل كون دستور 2011 يؤكد على موقع الإسلام كديانة رسمية للمغاربة، وعلى دور إمارة المؤمنين، وهو ما دفع أحد الحاضرين لتنبيهه إلى هذا المعطى الأخير وهو يصرخ بأعلى صوته وسط الجموع، فما كان من رئيس الحكومة إلى أن حاول استدراك الأمر بكون المتحدث سبقه بالقول، مخاطبا إياه،»داكشي اللي كنت باغي نقول»، مضيفا «آجي خطب فبلاصتي»! قبل أن يعود لتبني شعار «المظلومية»، علما بأنه دبّر الشأن العام للمغاربة خلال 5 سنوات، تميزت بضرب القدرة الشرائية والإجهاز على المكتسبات والحقوق التي تمت مراكمتها على مرّ السنوات التي تحملت فيها الحكومات السالفة المسؤولية، ويسعى لإذلال المتقدمين في السن وجعل آخر سنوات عملهم مضنية بمشروعه الهادف إلى الرفع من سنوات العمل قبل الإحالة على التقاعد، والمغادرة بمعاش هزيل، موجها خطابه إلى من اعتبرهم «أعداء»، يعملون على «تخويف الفوقاني من التحتاني، والتحتاني من الفوقاني»؟