منذ مراحل طفولتي الأولى وأنا أنعم في بيئة تجسد فيها التنوع الذي يتميز به المغرب ،عاش العرب والأمازيغ في جو من التلاحم والتضامن كجسد واحد يشد بعضه بعضا ، بل يستحيل على الغريب عن الديار أن يفرق بينهم ،و لكثرة العلاقات التي تربط الجميع أصبحنا نتكلم الأمازيغية وأصبحوا يتحدثون العربية .
لم نعرف مطلقا صراعا ولا انقساما ،كنّا حريصين جميعا أن نكد ونجتهد ونبني المغرب ونحقق حلما يراودنا جميعا وناضلنا ولازلناجميعا من أجل أن يرقى المغرب إلى مصاف الدول الديمقراطية .
لم نرفع ولم يرفعوا مطلقا شعارا يفرقنا ،كان عبر التاريخ الإسلام هو الذي يجمعنا ،وقيمه المثلى سبيلنا كان لي أصدقاء من العرب والأمازيغ في كل مراحل حياتي ،أفتخر وأعتز بالكثير منهم الشعراء والكتاب والصحفيين والمسرحيين وعامة الناس يحترمونني وأتقاسم معهم قيم كثيرة ودخلت معهم معارك دفاعا عن ثقافة نعتز بها ،ثقافة تعتبر جزئ من تراثنا ،تهتز مشاعري عند أسمع نغما أطلسيا وأحن باستمرار لجبال وطبيعة من عمق الأطلس ،هو وحده محمد رويشة سكن وجداني ويحرك مشاعري وفي كل لحظة أحن إلى بلدي ألتجئ إلى خزانتي حيث وضعت تراثا أعتز به وأختار نغما أطلسيا على وتر يحرك المشاعر ،لم أعشق فقط رقصة أحيدوس بل كنت معجبا بأدب محمد شكري الأمازيغي والفيلسوف محمد عابد الجابري ،هي الحقيقة التي يجهلها الكثير منذ أكثر من خمس وعشرين سنة عاشرت أصدقاء أمازيغ وأصبحت جزئا منهم ،نجلس باستمرار في جو عائلي نتواصل بالأمازيغية والعربية دون عقدة واشتغلنا في إذاعة لخدمة الجالية والإعلام المستقل , وصلينا معا في مساجد جمعتنا ولم تفرقنا .
ماحصل يوم الأحد الأسود في مسجد الإمام مالك الذي ساهمت الحكومة المغربية في شرائه إلى جانب الخيرين من أبناء مغاربة الدنمارك، لجمع شملهم ووحدة صفهم ،صورة تختلف عن الصورة التي عشتها لسنوات من حرك نعرة القبلية وجيش الناس ضد فريق تحمل الكثير من أجل أن يكون للمغاربة مسجدهم يتحكمون في تسييره وتدبيره ويحرصون فيه على الوسطية ويقفون صفا واحدا ضد التطرّف والتشدد ،من أوصل الصراع إلى مداه أساء للإسلام وللوطن من يسعى للتمسك بالكرسي دون أن يحمل مشروعا.
نحن في أمس الحاجة إليه من أجل مواجهة التحديات التي نعيشها يوميا، ولا ثقافة إسلامية بها يحاور ويقنع الآخر ويبني مجتمعا يعتمد على الحوار والتعايش والتسامح ، لا خير فيه ماذا ننتظر ممن يحمل شعارانصر أخاك ظالما أو مظلوما ويتربص بالآخرين في كل لحظة ويقطع الطريق بشتى الوسائل والطرق على الخيرين والأتقياء ولا يخشى لا الله ولا الوطن ولا النَّاس ما حدث يوم الأحد يبقى وصمة عار على جبين كل المغاربة ،كنّا نحلم جميعا بانتخاب مكتب جديد يحقق حلم المغاربة جميعا في تحقيق معلمة ومنارة مغربية تكون صرحا للحواريين الأديان وتعطي صورة حقيقية للمغرب والمغاربة في الدنمارك ، لكن حدث مالم نكن نتوقعه فتبخر كل شيئ وازدادت الفرقة بيننا ،وظهرت النعرات التي لم نعشها من قبل. في كل ماجرى وما سيجري مستقبلا بعيدا كل البعد عن الحوار البناء والديمقراطي يسيئ إلينا جميعا ويسيئ إلى بلدنا ويضر بالعمل والمجهود الكبير الذي قمنا به جميعا من أجل تحقيق حلم راودنا لأجيال المستقبل.
يتبع .
حيمري البشير كوبنهاكن الدنمارك في 25أبريل 2016