بعد انتظار دام لأكثر من 10 أيام، وهو في نفس الوقت كانت مناورة وضغط من الأمين العام على مجلس الأمن، احتراما للخط الذي أعلنه جهارا في تقرير 2015، من جعل المغرب مذنبا في ملف الصحراء، قدم التقرير المتكون من 9 محاور و 105 فقرة، يزداد حجم أو ينقص كل واحدة منها حسب المواقف الضمنية للأمين العام أو من كتبه.
قد يظهر من القراءة الأولى أن التقرير متوازن، لكن مونتاج الفقرات والمصطلحات وإعطاء قيمة للأشياء الصغيرة عند البوليزاريو وتبخيس خطوات وتصريحات الجانب المغربي، طغت على التقرير.
كثيرة هي الكلمات والسياقات التي ترجح كفة جبهة البوليزاريو على المغرب. وحدها القراءة السياسية للتقرير كفيلة بكشف مخاطر تقرير الأمين العام حول مسار نزاع الصحراء.
* الملاحظة الأولى: التقرير جاء في نفس منطق تحرك الأمين العام منذ تقديمه لتقرير 2015، وزادت الأمور استفحالا حين اختار رفض التاريخ الأول المقدم لبان كي مون لزيارة المغرب في نونبر 2015، بل إنه لم يتردد في نشر تصريح له يوم 4 نونبر من أن الوضع القانوني النهائي لإقليم الصحراء لم يسو بعد، في سياق اشتعال الأزمة السورية واليمنية ونزوح عشرات الآلاف من اللاجئين إلى أوربا. كان واضحا أن رادارات الفريق المكلف بالنزاع داخل إدارة الأمم المتحدة كانت حينها مشتعلة على مدار الساعة، فنبهوا الأمين العام إلى ضرورة ذلك التصريح لفرملة تأثير زيارة الملك للعيون للاحتفال بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، في حين لم يتوان من زيارة تندوف وبير لحلو في سياق احتفال جبهة البوليزاريو بتأسيس « الجمهورية الصحراوية»، بل إن التقرير يتماهى مع ذكرى التأسيس والاحتفالات وأشياء أخرى. وهذه الأشياء كلها تثبت أن الأمين العام خضع لعملية غسل دماغ من لدن النواة الصلبة المحيطة بالأمين العام والمكونة من عناصر لها امتدادات وجسور مع جناح من الحزب الديمقراطي الأمريكي، لا يخفي ماضيه مع قيادات جنوب إفريقيا والجزائر.
* الملاحظة الثانية: يعلن التقرير عن التوجه العام من خلال التقديم حيث يفسر، ومن خلال أربعة أهداف لزيارته، لماذا زار مخيمات تندوف، كان أولها أنه يريد إضافة مساهمته في القضية، وأن يطلع على الوضع الإنساني في المخيمات. نقطتان حددتا سلوك بان كي مون ما قبل وما بعد «الزيارة».
* الملاحظة الثالثة:، هي أن ديباجة التقرير حملت نفس المقولة التي عبر عنها الأمين العام، وهو أن أقواله وأفعاله لا تعني انحيازا لأي طرف، فكان أن عدد له المغرب صيغ وأشكال هذا الانحياز من زيارة تحمل دلالات مناهضة للوحدة الترابية، وتأسف، ليس على هذه الأقوال والأفعال، كما فهم البعض، بل تأسف لكون الحكومة المغربية سلكت مسلكا غير دبلوماسي، بتظاهرتي الرباط والعيون، علما بأنه يقول في الفقرة الثالثة من أن وزير خارجية المغرب اتصل به يوم 14 مارس وطلب منه توضيحات عاجلة بشأن أقواله وأفعاله.
* الملاحظة الرابعة: عملية المونتاج والتركيب تكشف عن انحياز بين للأمين العام لأعداء المغرب،فعندما يقدم التقرير أي خطوة أو إجراء أو تصريح بخصوص ملف الصحراء يردفه بذكر أي شيء عن البوليزاريو لضرب أو انتقاص أو إفراغ الخطوات المغربية، كما جاء في الفقرة الخامسة، حيث يتحدث عن رسالة محمد عبد العزيز التي ينتقد فيها قرار المغرب بسحب المكون المدني. وعندما يحتج المغرب على تصريح بان كي مون يوم 4 نونبر 2015 بخصوص الوضع النهائي( الفقرة 9) ، يردف احتجاج المغرب بالذكر المسهب لرسالة محمد عبد العزيز بشأن دعم البوليزاريو لكريستوفر روس . إنها عملية تكبيل بعناية فائقة لكل المقترحات المغربية، تهدف إلى إعطاء صورة سلبية عن المغرب وأخرى وردية لجبهة البوليزاريو. إن عملية الترتيب هذه هي المكياج الذي غطى به بان كي مون تقريره، أطروحة انحياز بمساحيق التوازن.
* الملاحظة الخامسة: يتضمن التقرير طريقة استجداء جديدة بسكان المخيمات، فبعد تأثره وألمه للوضع المزري لهؤلاء السكان، يتوسل مجلس الأمن أن يتحرك لرفع المآسي عن المخيمات، وهي أسطوانة سمعتها في لقاء في الرباط مع دونيس أوبريين، من قسم إفريقيا بالأمم المتحدة ومساعدة روس، وتتحدث وكأن المغرب هو المسؤول عن هذا الوضع، كان هذا في 2013. إنه نفس منطق قيادة البوليزاريو التي تتسول بالمخيمات في مقاطع الطرق الدولية. ولم يشر الأمين العام إلى تقرير مكتب مكافحة الغش الذي أدان النهب الذي تتعرض له المساعدات الإنسانية، ولا مسؤولية الدولة الحاضنة، وحتى العبارة التي وردت بشأن إحصاء السكان جاءت خفيفة ومبهمة، رغم أن أصل الداء هو إحصاء السكان ومنحهم صفة لاجئ لكي يتسنى لهم الحصول على عدد من الواجبات كحرية التنقل، وهذه قصة أخرى.
* الملاحظة السادسة: تضمن التقرير فقرتين خطيرتين، الأولى تفضح انحياز بان كي مون لجبهة البوليزاريو، ويتعلق بالفقرة 13، التي يستهلها بأن الجبهة احتفلت بذكراها الثانية والأربعين، وليس هناك أي سياق لذكر هذا اللهم إلا ما كان من تلميع صورة البوليزاريو وتقديمها كحركة تحرير تعود أصولها إلى أكثر من أربعة عقود، ولم يكتف الرجل أو من كتب التقرير بهذا، بل تعداه لتخصيص الفقرة برمتها للمؤتمر الرابع عشر للبوليزاريو الذي انعقد على أرض جزائرية في « مخيم الداخلة» على الحدود الجزائرية المالية، فذكر عدد المندوبين للمؤتمر مع مطالب المؤتمر دون وضع المصطلحات والعبارات الصادرة في بيان المؤتمر بين مزدوجتين، ومنها مثلا « تنطع» المغرب، وختم بأن المؤتمر حيى مشروع زيارته للمنطقة؟؟؟ ولإتمام صورة التلميع يخبرنا بان كي مون، جازاه الله، أن محمد عبد العزيز تم انتخابه على رأس جبهة البوليزاريو، إنها محاولة لإعطاء مشروعية لقيادة البوليزاريو وللمؤتمر الرابع عشر ، التي استنكر جريان أعماله وطريقة تعيين الأمانة العامة ، حتى أولئك الذين كانوا في الأمس القريب من سندة البوليزاريو، دون الحديث عن المظاهرات في المخيمات استنكارا لما جرى في المؤتمر الرابع عشر.
أخطر الفقرات رقم 91، حيث مسحت كل ما تم تسجيله منذ 2007، ومنها مشروع الحكم الذاتي، وأضاف وهذا هو الخطير، طلب «تحديد شكل وطبيعة تقرير المصير»، و»يأمر» بالانخراط ودون شروط مسبقة في الحل المقبل، وفي هذا رد على المغرب، حين ورد على لسان الملك بأن مشروع الحكم الذاتي هو السقف الذي لا يمكن للمغرب تجاوزه.
* الملاحظة السابعة: يؤلب بان كي مون مجلس الأمن على المغرب ،( الفقرة 95) وأن ما قام به المغرب تجاه المينورسو يعد سابقة في بعثات حفظ الأمن، بل إن الرجل ، أو من كتب التقرير، أعطى للحادثة الوحيدة التي وقعت قرب الجدار بعدا كبيرا، وأردف هذه الفقرة بتفصيل الرسالة التي بعثها عبد العزيز إلى بان كي مون والحديث عن عملية « قتل» رغم الشروحات التي قدمتها القوات المسلحة الملكية( الفقرة 6). وتخترق التقرير برمته فكرة أن سحب أو إضعاف المينورسو سيشعل حربا في المنطقة ويؤجج عمل وتحرك الجماعات الجهادية و جماعات الجريمة العابرة للحدود، وكأن أعضاء مجلس الأمن لا يعرفون أن البوليزاريو لا يمكن أن تطلق رصاصة واحدة دون الضوء الأخضر من الدولة الحاضنة الغارقة في تأمين الحدود الشرقية والجنوبية، وأن الحدود الوحيدة الآمنة هي الحدود المغربية الجزائرية، وأن الجماعات التي يتحدث عنها سبق له أن فصل فيها في تقرير 2013، وأكد أنها حاضرة فقط في شرق الجدار.
* الملاحظة الثامنة : إن هذا التقرير يجب أن يقرأ في تركيب لتقارير 2013-2014-2015، لفهم أن تقرير 2016 هو تحصيل لعمل وخطة أنجزت من لدن النواة الصلبة المكونة من الفريق الذي يدير ملف نزاع الصحراء، وهم جميعا و «بالصدفة» أعضاء من جناح داخل الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه أوباما، الذي وجه له الملك في خطاب الرياض رسائل واضحة جدا، مجموعة كانت وراء مبادرة جون كيري، القطار السريع في الدبلوماسية الأمريكية، لوبي مرتبط بكيري كنيدي التي لها ارتباطات خاصة مع آل زوما الرئيس الجنوب الإفريقي المتورط في قضايا فساد. يبدو الأمر وكأن هناك قرارا للحفاظ على « توازن استراتيجي» في المنطقة، إذ أن أي انتصار للمغرب في ملف الصحراء سيعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة لصالح المغرب، فمع «اقتطاع» موريتانيا من شمال إفريقيا وإعطائها دورا من خلال قيادة دول G5الساحل، ومع تطاحن القوى في هرم السلطة الجزائرية ، وانهيار الموارد النفطية وتصاعد الاحتجاجات، وإطلال الدولة الجزائرية على المجهول، كما في الرسالة الضمنية التي وجهها رئيس الوزراء الفرنسي، من خلال نشر صورة بوتفليقة بتلك التفاصيل، ومع انهيار البوليزاريو وانتشار فضائح السرقة والاتجار في المخدرات والتهريب وأشياء أخرى داخل المخيمات، يبدو أن أطرافا داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي توظف نزاع الصحراء لإعادة الروح للبوليزاريو ولهرم السلطة في الجزائر، ومن هنا نفهم تلك النبرة الغاضبة في خطاب الملك بالرياض عن الخلفيات السياسية لمن يمسكون بملف الصحراء داخل الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة.
* الملاحظة التاسعة: ذكر الملك محمد السادس في خطاب الرياض أن قضية الصحراء قضية المغاربة برمتهم، وهذا يذكر بكلام المرحوم عمر بن جلون في حوار بإذاعة فرانس أنتير في نونبر 1975،بأن قضية الصحراء هي قضية الشعب المغربي، إن الإجماع الوطني هو الصخرة التي تخيف أعداء الوحدة الترابية والوطنية، ومن هنا التوجه إلى تعزيز هذه الوحدة وضرورة ظهور الصحراويين الوحدويين، ليس من باب التميز الداخلي، بل الحضور في الواجهة الإعلامية والحقوقية والدولية، فهم الصوت الذي غيبه بان كي مون في تقاريره، بل الأدهى من ذلك إقحامه في الفقرة 14 مذكرة البوليزاريو الموجهة للمجلس الفدرالي السويسري بأن جبهة البوليزاريو هي «الممثل الوحيد للشعب الصحراوي» .
* الملاحظة العاشرة: بقدر قوة خطاب الملك وتحركاته في هذا الملف، بقدر غياب الانسجام في تصريحات المسؤولين الحكوميين المغاربة حول النزاع مع الأمين العام وفريقه، فمن قال إن لا مشكلة للمغرب مع الأمين العام أو الأمم المتحدة، في نفس الوقت يصرح مسؤول آخر بأن له مشكلة مع بان كي مون، دون ذكر ما انقض عليه بان كي مون وسجله في تقريره، وبدا أن «الخطاب السياسي» الذي ظهر مؤخرا في المغرب والمؤثث بقصص كليلة ودمنة والعجيب من « الدارج المغربي» والعفوية، أن هذه الأمور لا تصلح في العمل الدبلوماسي والسياسي الخارجي، وكم سبب كلام عن كولومبيا في إشعال نار لم يكن المغرب بحاجة لها في هذا السياق، كلام أثمر عن « ثقب»في مجهود استمر لسنوات في أمريكا الوسطى والجنوبية. ولذا تطرح ضرورة وجود ناطق رسمي للسياسة الخارجية المغربية، و على «صاحب كولومبيا» ألا يسافر قطعا بتصريحاته إلى الخارج.
الرباط : 21 أبريل 2016