من بين الألغاز التي تحيط بالسياسة الخارجية الأمريكية، كيف يمكن تفسير المواقف والتصريحات الديبلوماسية التي يدلي بها مسؤولو الإدارة في هذا البلد، في الوقت الذي لاتطابق الخطوات العملية التي يصرفونها في الأمم المتحدة وفي التوازنات الدولية والإقليمية وفي السياسات الاستراتيجية التي ينفذونها فوق الأرض؟
هناك من يعتبر أن الأمر يتعلق بتناقضات داخل مراكز القرار، وبتنوع وتعدد اللوبيات والمصالح، إلى غير ذلك من التفسيرات، التي قد تكون صحيحة في بعض الحالات الجزئية، التي تهم بعض المنافع المالية والاقتصادية، غير أنها لا تصدق على القرارات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية.
القرار الاستراتيجي في هذا البلد، يصنع من طرف الوكالات الكبرى، المرتبطة بالمخابرات والجيش وإدارات الأمن القومي، التي تحدد التوجهات المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية، على ضوء مصالحها الحيوية، المتمثلة في ما تعتبره ضرورة استمرارها كقوة أولى في العالم، في الوقت الذي لا تسعفها في ذلك أوضاعها الاقتصادية.
فالولايات المتحدة الأمريكية، هي –أساسا- قوة تهيمن على مؤسسات مالية، تحميها الترسانة العسكرية، لذلك، فهي في حاجة إلى إضعاف جميع القُوى في العالم، بدءا من أوروبا، وخاصة ألمانيا وفرنسا، مرورا بروسيا والصين والهند، وانتهاءً باليابان.
ومن أجل إضعاف هذه القُوى، تستعمل كل الوسائل، من تجسس ومؤامرات وتهييء الظروف للإرهاب، وخلق الفتن والحروب، وتقسيم الدول، أي تصريف ما تسميه بالفوضى الخلاقة، التي يتم تنفيذها –حاليا- في العالم العربي، لعدة أهداف:
الأول، خلق كل شروط عدم الاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، الذي يقع في قلبها جزء أساسي من العالم العربي وكذلك أوروبا.
الثاني، القضاء على وحدة البلدان في الخليج واليمن والأردن والسودان والصومال، وتغيير خارطة المنطقة العربية…
الثالث، تمديد وضع اللا استقرار إلى الجمهوريات التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي واختراق جدار الصين، ومواصلة التأثير في شبه الجزيرة الهندية بعدة أشكال.
أين يقع المغرب في هذه المعادلة؟
يشكل المغرب المضاد الحيوي لهذه الاستراتيجية الإمبريالية المتأخرة، لأنه يدافع عن وحدته الترابية ضد منطق التجزئة والتقسيم، ولأنه ينهج سياسة اقتصادية نهضوية، على مستوى الأوراش الكبرى، رغم ضعف أداء الحكومة، ولأنه يرفض أن يكون «محمية» لأي كان، كما صرح بذلك الملك محمد السادس، في خطابه خلال أشغال القمة الخليجية المغربية.
لذلك، فإن ما تعلنه الأوساط الإدارية الرسمية الأمريكية تجاه المغرب، ليس سوى ديبلوماسية الكذب، أي أنهم يقولون ما لا يفعلون، أو كما قال الملك في هذا الخطاب «الطعن من الخلف».