قال ابن الأثير: “(هلك المتنطعون) هم المتعمقون المغالون في الكلام، المتكلمون بأقصى حلوقهم. مأخوذ من النطع، وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استعمل في كل تعمق، قولا وفعلا”
قال الإمام الصادق (ض): «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده سرعة السير من الطريق إلا بعداً ».
..المتعصب والمتطرف هو المحتكر للمعتقد وادعاؤه تملك التحدث باسم الدين واعطاء نفسه صلاحية اصدار الفتاوى والاحكام والتوصيفات كما يهوى ويرى تجاه من لم يلج معه “جحر ضبه “..وهو في الغالب يظهر نفسه بطعنه في الاخرين بانه الاحق بان يتبع ويخضع لاوامره في كل امور الدين والدنيا وامور السياسة ..وهو نتيجة لذلك لاحرج عليه ان سب او شتم او اهان الاخرين.. لانه بدلك يظهر ما يوهم الناس بانه جوهر الغيرة المزعومة ..التي حقيقتها التعصب المذهبي والحزبي اكثر منها اي شيئ اخر ….
ان مشكلة هؤلاء وامثالهم عبر التاريخ انهم يذهب بهم سوء ظنهم الى معاداة كل ناصح امين او منتقد صادق ..ويصل بهم ضيق صدرهم الى عدم تحمل سماع منجزات ونجاحات الاخرين والذين كان لهم سبق العمل والنضال والتضحية ..ويبدلون كل الجهد الخفي والمعلن للتشكيك في كل ما هو جميل بتاريخ البلد قديمه وحديثه .. حتى الشهداء والاموات الشرفاء لم يسلموا من السنتهم التي لم تترك اي باب للاساءة الا وفتحته على مصراعيه …
…ان تعطيل تجديد الفهم السليم لامور الدين والدنيا ..وتجميد النصوص الدينية في القرون الثلاثة الاولى للهجرة شرحا واجتهادا ودلالات ومقاصد .. ورفض كل ثورة معرفية دينية روحية ومادية تعطي للاسلام راهنيته القوية وعالميته وشمولية خطابه التوعوي الرافض لكل اشكال الاستعباد والاستغلال والاكراه والتحقير للانسان كيفما كان جنسه او لونه او معتقده ..يغذي التعصب والجمود ويفتح ابواب الازمات والانتكاسات التي تترك امور العلم والمعرفة والتقدم لشعوب اخرى يسهل عليها بسط نفوذها وتحكمها على من هم في حاجة الى جزء من حصاد تطورهم في مختلف المجالات …
... ان التربية بثقافة الغلو لا تترك مجالاً للعقل والتعقل ولا تحترم الحق في الاختلاف والتنوع والحرية.. انها تعتمد تصنيفا تعسفيا ينبني على فسطاطين …الناجون الذين لهم الجنة اي هم وحدهم …وفسطاط اخر ؟؟لكل مخالف لهم ليس فقط في امور المذهب و بعض الفروع و..بل حتى في امور السياسة تحليلا وقصدا حزبويا والذين هم في نظرهم في منزلة بين المنزلتين حتى يتوبوا او يستتابوا او… ؟؟؟
ومن هنا ياتي خطر ما نبه له عقلاء امتنا والامم المتحضرة من خلط امور الادارة السياسية لامور الدولة في كل القطاعات بامور الدين بجعل القرار والاختيار السياسي للحاكم او الحكومات كالمسلمات العقدية التي لايجب ابطالها ولا نقدها وحتى مخالفتها ومحاولة تصحيحها …
لهدا تحول عند الكثير منهم مدلول الحديث الحب في الله والبغض في الله ..الى الحب في السياسة لمن اتبع والبغض في السياسة لمن خالف …؟ظنا منهم انه من انواع الحب والبغض في الله..
…ان السياسة والعمل السياسي الحزبي والحكومي من الاعمال البشرية التي لايمكن وصفها بالقداسة لانها تحتمل الصواب والخطا ..اللذين لايظهران بشكل جلي ان لم يخضعا لميزان التدافع الفكري الموضوعي والعلمي تنافسا ونقدا ومقارنة ,وهدا لايحصل عند المتعصبين والمتشددين لانه يحجب نور البصيرة والعقل معا …
ان من يتعصب لسياسة حزبه او مذهبه او طائفته مع علمه بانها مجانبة للصواب وانها رغم ذلك افضل من كل الافكار و المقترحات ..فذلك مما يتسبب في هلاك الافراد والناس وحتى الدول ..
..ان الانبياء لم يؤسسوا مذهبا ولاطائفة ولاحزبا ولم يرسلوا طعانين ولا شتامين ولا حاقدين ولا كذابين ولا سفاكين للدماء…بل انهم رحمة من الله جاؤوا ليخرجوا البشرية من ظلمات الجاهلية.. ومنها التعصب والكراهية وسفك الدماء ..الى نور الله الذي يتجلى في كل ماهو جميل والذي ابدع الانبياء والرسل في توصيفه وتبيانه للناس…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَيَكونُ عَلَيْكُمْ أئِمَّةٌ يَمْلِكونَ أرْزاقَكُمْ، يُحَدِّثونَكُمْ فَيَكْذِبونَكُمْ، وَيَعْمَلونَ فَيُسيئُونَ العَمَلَ، لاَ يَرْضَوْنَ مِنْكُمْ حَتّى تُحَسِّنوا قَبيحَهُمْ، وتُصَدِّقوا كِذْبَهُمْ، فَأعْطُوهُمُ الحَقَّ ما رَضُوا بِهِ، فَإذا تَجاوَزوا فَمَنْ قُتِلَ على ذلِكَ فَهُوَ شَهيدٌ».
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “هلك المتنطعون”
*الاربعاء18 ماي 2016