” الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول لله وآله وصحبه.
فخامة السيد رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية، رئيس القمة الإسلامية الثالثة عشرة،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
معالي السيد إياد أمين مدني، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي،
حضرات السيدات والسادة،
نود في البداية أن نتوجه إلى فخامة السيد رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية، لنهنئه على رئاسة بلاده، لأول مرة، للقمة الإسلامية في دورتها الثالثة عشرة. هذه الرئاسة التي ستحمل قيمة مضافة للعمل الإسلامي المشترك، وتعزز “الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام”، شعار هذه الدورة.
كما نعرب عن خالص الشكر لفخامة السيد عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة، على ما بذله شخصيا من جهود، وعلى ما اضطلعت به مصر من مهام، خلال رئاستها للدورة الثانية عشرة للقمة الإسلامية، لنصرة القضايا الإسلامية العادلة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
حضرات السيدات والسادة،
إذا كانت الظروف التي يعقد فيها اجتماعنا اليوم تتسم بتزامن اندلاع الأزمات في بعض دول المنظمة، كسوريا واليمن والعراق وليبيا، واحتدامها وطنيا، وتفاقم تداعياتها إقليميا، فضلا عن تصاعد نعرات الطائفية والانقسام، وتنامي ظاهرة التطرف والإرهاب، فإنه من الضروري معرفة العوامل المؤدية إلى هذا الوضع الشاذ، المنذر بالعديد من المخاطر، وكذا معرفة الأسباب التي تجعل من عالمنا الإسلامي مصدرا وهدفا له في نفس الآن.
ومما يزيد من أهمية هذه التساؤلات، محاولات جهات، هنا وهناك، استغلالَ هذا الوضع الهش لإذكاء نزوعات الانفصال، أو إعادة رسم خريطة عالمنا الإسلامي على أسسٍ تتجاهل التاريخ والهويات، وتتنكر للخصائص والمقومات، كما تعكس النوايا المبيتة للتدخل في مصائر الأمم والمجازفة بالأمن والاستقرار العالميين.
لكن الوضع الحالي ليس قدرا محتوما على أمتنا الإسلامية، الحاضنة للقيم الروحية العليا، ولرسالة التنوير والاعتدال والتي يسجل لها التاريخ أيضا إسهاماتها القيمة في بناء الحضارة الإنسانية.
فهذه القيم هي التي رسخت مبادئ التعايش والتسامح في الأديان، واحترام الأقليات في مجتمعاتنا الإسلامية التي اندمجت فيها شتى الأجناس، في إطار هوية حضارية، قائمة على التعددية والتنوع، كما يشهد التاريخ بذلك.
وقد فاقم من هذا الوضع ما انتشر في المجتمعات الغربية خلال العشريات الأخيرة، من نزوعات العداء ضد الإسلام وزرع الخوف والحذر والكراهية تجاه الأقليات المسلمة، المكونة على الخصوص من مهاجرين ينحدرون من بلداننا، ويعيشون ضمن تلك المجتمعات المتشبعة بقيم احترام حقوق الإنسان، وعلى رأسها حسن المعاملة والتسامح والتضامن والتكافل.
كما تعالت في الغرب أصوات مناهضة للدين الإسلامي، تؤجج مشاعر الحقد، وتعبئ الرأي العام في تلك البلدان ضده، في نطاق توسع ظاهرة الإسلاموفوبيا،مما يبعث على القلق الشديد.
إن من شأن معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع، وتقييمها بتجرد وعمق، والتحديد الموضوعي للمسؤوليات التاريخية، محليا وإقليميا ودوليا، أن تعبد الطريق لتجاوز هذه المرحلة العصيبة، عبر وضع الاستراتيجيات والبرامج الإصلاحية الملائمة وتنفيذها، في مراعاة تامة للخصوصيات الوطنية، وعلى أسس التضامن والتعاون داخل الفضاء الإقليمي وعلى الصعيد الدولي.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
حضرات السيدات والسادة،
ليس من شروط اتحادنا أن تكون قدراتنا وإمكانياتنا كأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي متماثلة، إذا كانت مبادئنا وقيمنا وأهدافنا واحدة، كما سطرناها في ميثاق المنظمة. أما قوتنا كتكتل شبه عالمي، يضم أزيد من مليار مسلم، فتزداد بقدر ما نتمكن من استغلال فرص التكامل المتاحة بيننا، وبقدر ما نستفيد من تاريخنا، ومن تجارب التكتلات الأخرى التي بلغت درجات متقدمة من الاندماج والبناء المشترك.
وفي هذا السياق، فإن تكثيف التعاون جنوب-جنوب، مبني على الثقة والواقعية والمصالح المشتركة، وتوسيع نطاقه بين أعضاء منظمتنا، لاسيما عبر تبادل التجارب في كافة الميادين لمن شأنه أن ينمي التبادل بين بلداننا ويرسخ التضامن بين شرائح مجتمعاتنا، وذلك من أجل الرفع من قدراتنا الإنتاجية وتقوية اقتصاداتنا. توفيرا لأسباب العيش الكريم، وتعميما للرخاء لشعوبنا.
وإذا كانت الخطة العشرية الماضية للمنظمة قد أسهمت في مضاعفة المبادلات التجارية بين الدول الأعضاء، فإن أملنا كبير في أن يمكننا برنامج عملها الجديد، التوجيهي والشامل، المزمع اعتماده في اجتماعنا هذا، من تحقيق أضعاف ذلك.
وإننا لنثمن كل ما قد يدعو له اجتماعنا هذا من أجل تطوير تكتلاتنا الاقتصادية، في أفق إنشاء منطقة للتبادل الحر داخل فضائنا الإسلامي. هذه المنطقة التي تترجم روح التضامن، وتؤسس للتنمية المستدامة التي تجعل من العنصر البشري محركها ومقصدها، كما سبق وأن دعونا إلى ذلك في خطابنا خلال قمة دكار.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
حضرات السيدات والسادة،
إن لدينا مصدرا آخر للقوة، يتمثل في إيماننا بعدالة قضيتنا الأولى : قضية القدس وفلسطين، واتحادنا حولها. ومن منطلق مسؤولياتنا كعاهل للمملكة المغربية، وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن المنظمة، فإننا نؤكد تجند المغرب، ملكا وحكومة وشعبا، للدفاع عن القدس وفلسطين، بمختلف الوسائل السياسية والقانونية والعملية المتاحة.
وقد عملنا كرئيس للجنة القدس، التي تشكل قوة اقتراحية، وهيئة للتحرك السريع وتعبئة الأدوات اللازمة للعمل الميداني للدفاع عن القدس، على تبني مقاربة تُزاوج بين التحركات والمواقف السياسية والمساعي الدبلوماسية، وإبراز الحقوق المشروعة، من جهة، والعمل الميداني، من جهة أخرى، من خلال مشاريع ملموسة تنجزها وكالة بيت مال القدس الشريف، لدعم المقدسيين وإنقاذ القدس، التي هي جوهر الصراع ومفتاحه.
وفي هذا الإطار، لا يسعنا إلا أن نؤكد تأييدنا لدعوة أخينا فخامة السيد محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، باعتبارها خطوة أساسية في اتجاه إنهاء الوضع المأساوي والمتفجر في فلسطين، وإعادة الأمل في التوصل إلى حل سلمي، عادل وشامل، يقوم على حل الدولتين.
كما نجدد دعمنا للمبادرة الفرنسية، الرامية إلى العودة بالطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات، والتي من شأنها أن تنهي الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وفق جدول زمني واضح.
وإذا كنا، قادة وشعوبا، نسعى جاهدين إلى مساندة أشقائنا الفلسطينيين لتمكينهم من إقامة دولة فلسطين، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق مرجعيات قرارات الشرعية الدولية، كما أكدنا عليه في قمتنا الاستثنائية الخامسة، المنعقدة الشهر الفارط في جاكارتا، فعلينا أيضا أن نواصل، بنفس الحزم، تعبئتنا لنصرة القدس وإنقاذها من سياسة التهويد الممنهج التي تمارس عليها ميدانيا وكل يوم، ومواكبة أولويات المقدسيين واحتياجاتهم المتجددة.
وإن دعم وكالة بيت مال القدس بات من الضروريات التي يشترطها عملنا في المنظمة، حتى يترجم إيماننا بالتضامن والتعاون تجاه المقدسيين عبر تحقيق برامج هادفة، لاسيما ما يتعلق منها بدعم الأسر المحرومة، وإقامة مرافق عامة في مجالات التعليم والصحة.
وفقنا الله جميعا للدفاع عن قضايانا العادلة، وخدمة بلداننا، وتحقيق الأمن والتنمية لشعوبنا. “وقل اعملوا، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”، صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.