يتضح من خلال الأجزاء الثلاثة الماضية ان التجربة الدستورية المغربية عرفت نوعا من التطور البطيء أي ان النظام يمنح شعبه الديمقراطية على جرعات متفرقة ووفق الظروف السياسية و الاجتماعية للبلاد و السياق العام للأحداث الدولية ، مما يجعلها لم ترقى بعد لطموح الشعب المغربي و تحديات عصره ، لم يجعلنا ضمن مصاف الدول الديمقراطية المتقدمة ، و هو الامر الذي بدى جليا بعد مرور خمس سنوات عن اعتماد دستور 2011 من خلال صعوبة تنزيله على ارض الواقع ، من خلال عدم اخراج القوانين التنظيمية المكملة له في اجال معقولة و ترك بعضها الى اخر الولاية و اقتراب الانتخابات التشريعية مما سينعكس سلبا على جودتها ، مع عدم استكمال المؤسسات الدستورية المنصوص عليها في الدستور .. ثم عدم تتمتع رئيس الحكومة المنتخب بالقدرة على ممارسة صلاحياته كاملة المنصوص عليها في الدستور ، خصوصا عدم ترأسه ولو مرة واحدة للمجلس الوزاري نيابة عن الملك وفق جدول اعمال محدد كما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية .. مما يجعلنا امام البحث عن السبل الكفيلة لضمان احترام مقتضيات هذا الدستور على علىته ، ثم الجزاءات المترتبة اثناء مخالفتها وخرقها وعدم تفعيلها خصوصا من طرف النظام و السلطات العامة سواء التنفيذية او القضائية او التشريعية ..

* ما هي الضمانات و الجزاءات المترتبة اثناء مخالفة النظام و السلطات الثلاث للمقتضيات الدستورية :
ان القواعد القانونية الامرة تبقى عاجزة وغير ذات جدوى اذا لم ترفق بقواعد تجعلها ملزمة للأفراد والجماعات ، حيث يترتب على مخالفتها اقامة الجزاء ، و هو ما يجعلنا نبحث عن الجزاء المترتب اثناء مخالفة مقتضيات الدستور خصوصا من طرف السلطات العامة في البلاد ، ان الخصوصية المغربية التي تشكلت من خلال دستور 2011 هي ان السلطات في المغرب اربعة و ليست ثلاث حيت اننا نسمع حتى في وسائل الاعلام ان هذه المبادرة او هذا الحل او هذا القرار تم اتخاذه من طرف اعلى سلطة في البلاد مما يدل ان هناك اعتراف ضمني لدى المغاربة تم تكريسه في وجدانهم بان هناك سلطة عليا أي ذات تميز خاص و حظوة عليا على باقي السلطات الثلاث ، يقصد بها المؤسسة الملكية ، بمعنى ان قراراتها مطلقة و يصعب الطعن فيها امام السلطة القضائية او التشريعية مع بعض الاستثناءات المعزولة و المحتشمة التي جاءت كمستجد في دستور 2011 ، حيث يمكن الطعن في القرارات الملكية الصادرة في المجال التنظيمي في شكل ظهائر موقعة بالعطف مع رئيس الحكومة ، إلا ان رئيس الحكومة هو من ترفع ضده عمليا دعوى الطعن هذه لكون الادارة موضوعة تحت تصرفه حسب منطوق الفصل 89 من الدستور ..و تبقى الظهائر الاخرى الصادرة عن الملك غير قابلة للطعن ، و بكون الملك رئيس السلطة القضائية وضامن استقلاليتها ، و الاحكام القضائية تصدر باسمه ووفق القانون يجعله خصم وحكم في نفس الوقت الامر الذي يضرب في الصميم المعنى الحقيقي لمبدأ الفصل المرن للسلط ، خاصة استقلال السلطة القضائية ..

و الدستور بدوره يزكي هذا الطرح بكون النظام السياسي المغرب يشكل نشازا ، فإذا اخذنا الدستور نجده من الناحية الشكلية يتكلم عن اربع سلطات حيث خصص الباب الثالث للملكية و الباب الرابع للسلطة التشريعية و الخامس للسلطة التنفيذية و السابع للسلطة القضائية ، مما يجعل السلطات العامة تتوحد و تتجمع تحت سلطة واحدة عليا واحدة …

فمخالفة السلطة التشريعية لمقتضيات الدستور يعرضها لجزاء الحل من طرف رئيس السلطة التنفيذية ، حيث نجد ازدواجية هنا ، فإذا اعتبرنا مجازا الملك رئيسا للسلطة التنفيذية فله ان يحل بظهير مجلسي البرلمان او احدهما بعد استشارة – استشارة وليس موافقة – رئيس المحكمة الدستورية و اخبار رئيس الحكومة…حسب الفصل 96 من دستور 2011 اذن فالجزاء هنا يكون هو حل السلطة التشريعية من طرف الملك بعد مخالفتها لأحكام الدستور. اما في حالة ممارستها لتشريعها العادي فمراقبة دستورية قوانينها تبقى من اختصاص المحكمة الدستورية التي يعين الملك نصف أعضاءها ..

كما يمكن كذلك لرئيس الحكومة حل مجلس النواب بعد استشارة الملك و رئيس المجلس و رئيس المحكمة الدستورية بمرسوم يتخذ في المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك الذي نجهل كيفية اتخاذ قراراته هل بالتصويت او بالتوافق او بشكل فردي او غيرها من طرق اتخاذ القرار ..

اما اذا خالفت الحكومة التي تتألف من رئيس الحكومة و الوزراء بصفتها تمارس – ليست رئيسة كما جاء في منطوق الدستور في الباب الخامس – سلطة تنفيذية ، مقتضيات الدستور فللملك بمبادرة منه ان يعفي عضوا او اكثر بعد استشارة رئيس الحكومة .. (الفصل 47) و اذا اعتبرنا هنا ان رئيس الحكومة عضو في الحكومة فللملك حق اعفائه ايضا بعد استشارته و اخد رأيه و الذي لا يعتبر ملزما للملك ، مما يترتب عنه اعفاء الحكومة بكاملها..ثم كذلك للبرلمان حق اقالة الحكومة كاملة من خلال سحب الثقة عبر الاغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.

اما في حالة مخالفة المؤسسة الملكية لمقتضيات الدستور ، فنجد الدستور لم ينص على أي اجراء يمكن اتخاذه في هذا المجال ذلك لكون الملك يتمتع بصلاحيات تشريعية و تنفيذية و قضائية كما سبق و ذكرنا ، لكن تبقى مسؤولية الملك معنوية باعتباره المسئول الاول على السهر على احترام الدستور حسب مقتضى الفصل 42 من الدستور . حيث ترى المدرسة الفرنسية بأنه ينبغي الاعتداد بالجزاء المعنوي ، لان كل قاعدة تحتوي على جزاء يتمثل في رد الفعل الاجتماعي Contrecoup social على حد قول زعيم المدرسة Duguit.(1)

هكذا يتضح لنا ان النظام السياسي بالمغرب يشكل استثناءا معقدا يمكننا تفكيكه الى مستويين المستوى الاول هو السلطة الملكية المهيمنة على باقي السلطات الاخرى – تشريعية – تنفيذية – قضائية – و التي تأتي في المستوى الثاني في هرم السلطة بالمغرب ..مما يدفع الى ضرورة البحث عن الطرق الديمقراطية لإعادة انتاج دستور متقدم ديمقراطي ينحو في اتجاه ملكية برلمانية حقيقية ، تكرس المعنى الحقيقي لمبدأ الفصل المرن السلط و توازنها و تعاونها.

ما يدعو الى العمل على توسيع حق مراجعة الدستور المغربي من خلال التنصيص على حق الشعب في اقتراح تعديل دستوري كلما استدعت الظروف دلك ، كما هو الشأن بالنسبة للدستور السويسري الذي ينص على امكانية تعديل الدستور بتوقيع 100.000 شخص من المواطنين على عريضة ، و الدستور الايطالي الذي ينص على 500.000 لنفس الغاية .

ومن الانظمة الديمقراطية التي اخذت بهذا المبدأ النظام البرلماني البريطاني حيث تتوفر كل سلطة على وسائل ضغط فيما بينها مما يساعد على تحقيق التوازن ، و يعتبر المعيار الاساسي في مسؤولية الوزراء امام البرلمان مقابل امكانية حل البرلمان من قبل الجهاز التنفيذي.

و يستلزم هذا النظام ثنائية الجهاز التنفيذي أي ان السلطة التنفيذية مقسمة بين رئيس الدولة و رئيس الحكومة ، حيث يتسع النظام البرلماني لجميع أشكال الحكم سواء الملكية او الجمهورية او ادارة جماعية ، و رغم طرق تعيينه فإن رئيس الدولة غير مسئول سياسيا ، ففي النظام الملكي يتولى الملك الحكم بالوراثة و ليس للبرلمان أي دور في تعيينه ، اما في النظام الجمهوري فهو منتخب من طرف الشعب او البرلمان ، ولا يمكن عزله إلا عند الخيانة العظمى او خرق الدستور ..اما الحكومة فينبغي ان تتمتع بثقة وتنصيب البرلمان لها بعد تعيينها من طرف رئيس الدولة و باقتراح من رئيس الحكومة .

ويعود فضل مبدأ فصل السلط للفيلسوف مونتسكيو الذي يعتبر الركيزة الاساسية و من دعائم الحرية السياسية و سلاحا فعالا ساهم في الحد من اوجه الحكم المطلق و بناء الانظمة الديمقراطية حيث يعتبر هذا المبدأ مقياسا لمدى ديمقراطية نظام الحكم فيها ، من خلال توزيع وظائف الحكم الرئيسية تشريعية – تنفيذية – قضائية – على هيئات منفصلة و متساوية تستقل كل منها عن الاخرى في مباشرة وظيفتها حتى لا تتركز السلطة في يد واحدة فتسيء استعمالها ، ويكون لكل منها رقابة على الاخرى على اساس أن : “السلطة تحد أو توقف السلطة ” “Que le pouvoir arrête le pouvoir ” فيؤدي دلك الى تحقيق حريات الافراد وضمان حقوقهم واحترام القوانين و حسن تطبيقها تطبقا عادلا و سليما ومنع التعسف و الاستبداد بالسلطة وصيانة الحريات.
و هو الامر الذي سيجعل المغرب ينحو في اتجاه الاصطفاف الى جانب الدول الديمقراطية التي تعتمد على سيادة دولة الحق و القانون و المشروعية النابعة من الشعب ، مما يضفي على تصرفاتها الصفة الشرعية التي تمكنها من الاستقرار الاجتماعي و حماية الحقوق وحريات العامة .

والله ولي التوفيق

– زهير البكري –

‫شاهد أيضًا‬

عمر بن جلون: القضية الفلسطينية ومواقف أُطُرنا * ترجمة : سعيد بوخليط

فقط مع الحالة الفلسطينية،شَغَلَ الالتباس الإيديولوجي أهمية أولية،وترتَّبت عن ذلك نتائج في …