ليس مهما مشاطرة دول مجلس التعاون الخليجي أو عدم مشاطرتها مواقفها السياسية والاستراتيجية من قضايا الشرق الأوسط الساخنة أو شبه الساخنة، جزئيا أو كليا وعلى جميع المستويات، ذلك أن الأهم بالنسبة لأي وطني حقيقي سواء كان من الذين يعلنون انتماءهم إلى الصف الديمقراطي أو لا يعلنون ذلك عن موقف أو عن غير ذلك من المبررات ذات الطابع الأيديولوجي أو المصلحي في المغرب هو موقفها المساند لقضيتنا الوطنية ووحدة بلادنا الترابية.
وفي هذا السياق، ينبغي تثمين موقف مجلس التعاون الأخير الداعم لأطروحة الحل السياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية والدعوة إلى اعتماد مبادرة الحكم الذاتي المقدمة من المغرب أساسا للحل التفاوضي الذي دعا إليه مجلس الأمن الدولي بعد يقينه بفشل خطة استفتاء تقرير المصير في الصحراء المغربية. وعلى هذا المستوى، بالذات، فإن موقف الوطني المغربي من موقف دول التعاون الخليجي من قضيتنا الوطنية لا يحمل في طياته، من حيث المبدأ، أي شحنة شوفينية معيبة لسبب بسيط هو أن افتراض حالة مغايرة من تلك الدول كانت ستملي على كل وطني موقفا مغايرا تماماً بالتناسب مع درجة أو نوع ابتعاده الافتراضي من موقف المغرب من حقه المشروع في حماية بلاده وسيادتها على كامل أجزاء وأقاليم ترابه الوطني.
وبطبيعة الحال، فقد تم النظر إلى هذا الموقف الخليجي الوازن من قبل أعداء وحدتنا الترابية باعتباره محاباة خليجية للمغرب على حساب الجزائر، رأس حربة معركة فصل الأقاليم الجنوبية عن الوطن المغربي ،بل إن الجزائر ومن يدورون في فلكها قد يرون في هذا الموقف سلوكا عدائيا تجاههم بخصوص هذه القضية بالذات، وقد يطلقون العنان لخيالهم للبحث عن مؤامرات مزعومة يتعرضون لها،غير النظر بعمق في هذا الموقف الخليجي الذي يبرهن على الحرص الشديد على احترام قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء وهو قد أكد بوضوح شديد أن حل هذا النزاع لن يكون إلا سياسيا يتم التوصل إليه عبر أساليب الحوار والتفاوض، خاصة أن هذه الأساليب لن تقوم على أساس من الفراغ، وإنما على قاعدة مبادرة الحكم الذاتي الموسع التي اقترحها المغرب وتم اعتبارها مقترحا جديا يحظى بمصداقية من قبل القوى الفاعلة في المجتمع الدولي.
هذا، بينما لم تبرح الجزائر ووكيلتها في النزاع، قيادة جبهة البوليساريو الانفصالية، مستوى ترديد بعض الشعارات العامة غير الواقعية، والمتجاوزة فعلا، على مستوى معالجة هذا الملف، من قبيل شعارات الاستقلال والانفصال وممارسة الحق في تقرير المصير بالطريقة التي تعتبرها القيادة الجزائرية السبيل الأسلم إلى تفتيت وحدة المغرب الترابية، أي ضمان التوصل إلى نتيجة تحرم المغرب من حقه في استكمال وحماية وحدته الترابية والوطنية وفق مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة.
صحيح أن سياق صدور قرار دول مجلس التعاون الخليجي قد أعطى لموقفها بعدا سياسيا واستراتيجيا عميقا على مستوى العلاقات بين المغرب والدول المكونة للمجلس، إذ ليس خافيا على أحد، أنه قد صدر بعد الضجة السياسية الكبرى التي أثارتها تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المستفزة للشعب المغربي بكل مكوناته الرسمية والشعبية والتي حظيت بإجماع مغربي رافض قل نظيره، غير أنه يترجم، كذلك، طبيعة العلاقات الإيجابية بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي التي عرفت تطورات نوعية خلال السنوات الأخيرة، في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.
ومن زاوية النظر هذه، يمكن القول، دون أي شكل من أشكال التجاوز، إن ربط الموقف الخليجي من قضية النزاع الإقليمي المفتعل من الصحراء المغربية بطبيعة موقف المغرب الرسمي من بعض القضايا ذات الأولوية السياسية أو الاستراتيجية لدول الخليج، ولو كانت من مستوى مسألة اليمن، ينم عن قصور في الرؤية، في أحسن الأحوال، يعبر عن نفسه من خلال الإيحاء بأن سياسات الدول تقوم حصرا على مقايضات وبيع مواقف بمواقف، في مختلف المجالات، كما حاولت بعض الكتابات تصوير الأمر،وهذا يعني أنه لا ينبغي اختزال القول بأن العلاقات بين الدول تبنى على المصالح في أبعادها المختلفة في تحويل سياسات الدول إلى عمليات لا متناهية من المقايضات التي لا تخضع لأي موجه مبدئي أو قانوني أو تاريخي.
وليس مستغربا انطلاقا من هذا التصور،أن يستشيط البعض غضباً من الموقف الخليجي ومن الموقف المغربي المرحب به على مختلف المستويات، خاصة إذا كان هذا البعض ،من المؤمنين بأن قضايا الوطن الكبرى تستمد أهميتها من القوى التي تدعمها في الخارج بصورة حصرية وليس من مدى التطابق بين الإجماع الوطني للبلاد المعنية وبين موقف تلك الدول كما هي حالة المغرب في المرحلة الراهنة من مراحل تطور قضيته الوطنية.
وانطلاقا من هذا التصور، أيضاً. لست أرى أي مبرر لسحب الموقف من بعض التصورات السياسية والممارسات العملية لبعض دول الخليج بالنسبة لبعض القضايا المحلية أو الإقليمية، على الموقف من سلوكها السياسي الداعم لقضيتنا الوطنية ولمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب في سياق مساعيه الجدية لإيجاد حل سياسي للنزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية، ذلك أن مثل هذه المنهجية منافية لمقتضيات المنطق السياسي السليم وتصب الماء على أعداء وحدتنا الترابية بغض النظر عن خلفيات من وقعوا ضحية ذلك المنطق ونواياهم.