تفرض المرحلة التاريخية التي تعيشها المنطقة العربية، عامة، والمغرب خاصة، اعتبار المعركة الثقافية، أهم عنصر في الصراع الدائر في المجتمع، بين قيم الديمقراطية والحداثة، وقيم الهيمنة الرجعية.
لقد بادرت الرجعية إلى الانخراط القوي في هذه المعركة، منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، حيث أدركت أهمية نشر الفكر الخرافي وترويج قيم التخلف الثقافي والنكوص والانغلاق، من أجل مواجهة قيم الأنوار والتفتح على الحضارات الإنسانية و اعتناق حرية التعبير والفكر والإبداع.
أدوات المعركة الرجعية، رُصِدَتْ لها إمكانات مالية ضخمة، من عائدات البترول والغاز، التي تأتي من بلدان الخليج الغنية، تحت غطاء المظلة الأمريكية، وبتواطؤ الأنظمة الاستبدادية والحكم المطلق، التي كان هاجسها الرئيسي، القضاء على القوى الديمقراطية، التي كانت تتشكل من تنظيمات وطنية وقومية ويسارية.
أما أدوات المعركة الديمقراطية الحداثية، التي كان عمودها الفقري هم المثقفون والباحثون والكتاب والشعراء، فإن إمكاناتها المادية محدودة جدا. وبالإضافة إلى ضعف الوسائل المالية، فإن التحولات السوسيولوجية، التي حصلت في مجمل البلدان العربية، بالانتقال الكثيف لسكان الأرياف إلى المدن، في الثلاثين سنة الأخيرة، بدون بنيات استقبال حضرية ملائمة، لإدماجهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كان له تأثير كبيرعلى نمط القيم التي سادت داخل النسيج الحضري المغربي.
لقد سادت أنماط ثقافية غريبة عن المجتمع المغربي، فلا هي بالثقافة الدينية الشعبية، التي عرفتها البادية المغربية، و لاهي بالثقافة الحضرية المنفتحة التي عرفتها المدن. فأغلب مكوناتها دخيلة أتت من المشرق، متأثرة بالوهابية، وبالنمط الخليجي في اللباس والمظهر.
لذلك، فإن المهمة الجسيمة المطروحة على المثقفين المتنورين، هي العمل من أجل عودة الروح، إلى النمط الحضاري المغربي، الذي كان الدستور الجديد فيه واضحا، عندما نص على أن مقومات هويته الوطنية، عربية-إسلامية، أمازيغية، صحراوية حسانية، غنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما حدد محاور الدين الإسلامي المغربي، في الانفتاح والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل مع الحضارات الإنسانية.
و لايمكن هنا إلا أن نسجل باعتزاز البيان الذي أصدره مجموعة من المثقفين، بعد تعليق المسيرة الاحتجاجية للمركزيات النقابية، والذي يعلنون فيه وقوفهم إلى جانب المطالب المجتمعية، «دفاعا عن المجتمع والإنسان وعن استقلالية الفكر والإبداع». فالمعركة الاجتماعية، بدون خلفية ثقافية، ستظل محدودة، لأن المعركة الثقافية هي أٌمّ المعارك.