من غير الممكن أن نَمُرّ مرور الكرام على تصريحات رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حول التكوين المهني والتكوين النظري، لأن المسألة في غاية الأهمية، ومن المفيد مناقشتها، نظرا لما تحمله من تصورات، حول التربية والتعليم، بصفة عامة، وحول الربط بين التكوين النظري والتجريبي.
لا ينكر أحد أهمية التكوين المهني، لأن كل البلدان تحتاج إلى تطوير مهارات أبنائها، في مختلف التقنيات، غير أن المقابلة التي لجأ إليها بنكيران، بين التعليم في المواد الأدبية والقانون والعلوم الإنسانية، من جهة، وبين التكوين التقني، من جهة أخرى، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تقليدية، لسببين:
الأول، هو أن التكوين التقني بدوره يحتاج كثيرا إلى التكوين النظري، في مختلف «العلوم الحقة» وفي الرياضيات، قبل التكوين التطبيقي.
الثاني، هو أن التكوين في الميادين الأخرى، التي نالت سخرية رئيس الحكومة، من أدب وفن وقانون وفلسفة وعلوم إنسانية، حتى هو بدوره مبني على قواعد علمية، ويحتاج كثيرا إلى التطبيقات.
أما النموذج الألماني الذي قدمه كتبرير، فإنه لا يخدم موقفه، حيث إن التكوين و التعليم في هذا البلد، يجمع بين النظري والتطبيقي، في كل المجالات، وليس بالشكل الذي قدمه، وكأن كل التلاميذ والطلبة الألمان، يتعلمون الأشغال اليدوية، بالإضافة إلى أن ألمانيا هي بلد الشعر والفلسفة والفكر والعلوم الإنسانية والإبداع في الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة، وليست بلد التقنيين الحرفيين، كما يتصور بنكيران.
إنه لَمضحك حقا، أن يعتبر رئيس الحكومة، أن على التلاميذ والطلبة، تقسيم يوم الدراسة بين القسم والورشة لتعلم حرفة يدوية، «مثلما كان الأمر سابقا في القرويين»، علما بأن تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، يخبرنا بأن كبار العلماء في الطب والفلك والرياضيات والجغرافيا والمبصريات … كانوا فلاسفة وشعراء وكتابا، وليسو مجرد تقنيين.
إن خطاب رئيس الحكومة حول هذا الموضوع، يَنِمُ عن جهل كبير بما وصلت إليه التكنولوجيا حاليا، والتي تجاوزت إلى حد كبير التقسيم الكلاسيكي، بين النظري واليدوي، حيث إن التكوين التقني، أصبح رقميا ويحتاج كثيرا إلى النظريات والابتكار والإبداع والفلسفة …
ربما فقد بنكيران البوصلة، لأنه كان يتحدث أمام الباطرونا، فأراد إرضاء نسائها ورجالها، ليعبر لهم عن حسن نيته لتوفير اليد العاملة الرخيصة، من أغلبية أبناء الشعب الفقراء، الذين لا حاجة لهم بالجامعات الكبرى والمدارس العليا والمنح الدراسية، بل يستحقون فقط الورشة والماكينة.

بالفصيح

  الجمعة 1 ابريل 2016

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…