من المفيد في الكثير من الأحيان، اللجوء إلى الشك المنهجي، لمحاولة الإقتراب من الحقيقة، لأن الإنطلاق من مسلمات نظرية بحتة، قد لا تكون مجدية، وقد تقود إلى الخطأ. ومن هنا يمكن أن نتساءل حول يقينية المسَلَمَة التي إنطلقت منها الندوة التي نظمتها، يوم السبت الأخير، مؤسسة «المشروع»، تحت عنوان «في ضرورة اليسار».
هل هناك فعلا ضرورة لليسار، في المشهدالسياسي المغربي؟ ربما يكون اليساريون مقتنعون بهذه الفكرة، لكن يجب عليهم التدليل عليها، لإقناع الجماهير المغربية، بأن المغرب يحتاج إلى فكر ثقافي وسياسي يساري وتنظيمات تنتمي لهذا التوجه.
العودة إلى التاريخ مهمة، لأن التجربة المغربية، أنتجت قوى يسارية، لعبت دورا كبيرا في مقاومة الإستبداد والرجعية، وقدمت الشهداء ومآت الضحايا الذين تبنوا الفكر اليساري واعتبروا أن الديمقراطية والعدالة الإجتماعية والمساواة، و أفضل سبيل للخروج من التبعية والتخلف.
بالإضافة إلى الكفاح السياسي والنقابي والإجتماعي، فإن قوى اليسار لعبت دورا كبيرا في تجديد الفكر المغربي، وأنتجت ثراتا غنيا وإجتهادات في كل مجالات الثقافة والإبداع والعلوم الإنسانية والفلسفة… منفتحة على الثرات الإنساني الإشتراكي العالمي، في إرتباط جدلي بالكفاحات التي كانت تخوضها في الساحة.
غير أن هذا التاريخ المجيد، وإن كان يعزز شرعية وجود اليسار، فإنه لايبرر إستمراره، حيث أن عوامل التراجع والتآكل وربما الإضمحلال، تفعل فعلها مع الزمن، لذلك، من المفيد أيضا التساؤل، هل اليسار ضرورة مستقبلية؟
إذا كان الأمر يتعلق بالشروط الموضوعية، فإن هناك من العوامل ما يبرر شرعية اليسار، ليس فقط لأن هناك تنظيمات تحمل هذا الفكر وهذا الثرات، بل أيضا، لأن الساحة السياسية والثقافية والإجتماعية في حاجة إلى هذا التيار الغني بالإجتهادات الحداثية الجريئة في مواجهة الرجعية والظلامية، ولأنه قادر على وضع الأسس الواضحة للبناء الديمقراطي، في أنصع مظاهره، ولأنه أكثر إرتباطا بالهموم الملموسة للجماهير…
غير أن هذه العوامل الإيجابية لا تكفي، بدون وجود أدوات الفعل الميداني، المثمتلة في تنظيمات متجذرة وإمكانات مادية وبشرية كبيرة ووسائل تواصل قوية، وحركة نقابية غير متنافرة، وبرامج إجتماعية وحقوقية متماسكة… وتنسيق متواصل، بين مختلف هذه التنظيمات.
لا يبدو لحد الآن، إمكانية حدوث هذا في القريب المنظور، باستثناء الوعي الذي أخذ يتبلور بضرورة اليقظة اليسارية، والتي قد تشكل أفضل جواب، لإنتظارات فئات واسعة من الشباب، تعبر عن رغبتها في معانقة قيم اليسار والإنخراط في كفاحاته وتنظيماته.

*بالفصيح

     الاثنين 28 مارس 2016

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…