دعا محمد بنعبد القادر الى التجاوز العملي لمفهوم الجبهة الداخلية في التعبئة الوطنية حول تعزيز الوحدة الترابية معتبرا ان شعار تعزيز الجبهة الداخلية ينتمي الى قاموس الحرب الباردة وسنوات الرصاص عندما كانت حقوق الانسان تنتهك بكيفية منهجية والمعارضة مقموعه والسجون تعج بالمعتقلين السياسيين أما اليوم بعد تقرير الانصاف والمصالحة ودستور 2011 وانطلاق ارساء النموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية والتحول الايجابي في تعاطي الدولة مع ملف الصحراء المغربية بارتباط مع تفعيل الدبلوماسية الحزبية، فان مطلب تعزيز الجبهة الداخلية أصبح مجرد شعار فارغ للمزايدة وأحيانا للتقاعس عن تحمل المسؤولية .
وكان ممثل الاتحاد الاشتراكي يتحدث أمام جمهور حاشد من طلبة الماستر والأساتذة الباحثين بالكلية المتعددة الاختصاصات بمرتيل في إطار الندوة التي نظمها مركز الدراسات حول الشؤون الصحراوية بخصوص الوحدة الترابية في برامج الأحزاب السياسية.
وفي معرض حديثه عن تميز المقاربة الاتحادية في الدفاع عن مغربية الصحراء أوضح المسؤول الاتحادي أن هده المقاربة المتأصلة في هوية الاتحاد الاشتراكي ومرجعتيه النضالية، هي مقاربة تتميز بالعمق الاستراتيجي والروح الاستباقية مقدما خمس أمثلة عن ذلك :
المثال الأول.. يخص مقاربة الصفوف المتحركة في مقابل الصفوف المتراصة الجامدة ، عندما استقبل الحسن الثاني عبدالرحيم بوعبيد في عز سنوات الرصاص عام 1974 ودعاه الى التعبئة من أجل استرجاع الأقاليم الصحراوية والانخراط في الصفوف المتراصة للإجماع الوطني ، أجابه الزعيم الاتحادي أن الصفوف المتراصة ينبغي أن تكون أيضا متحركة، نعم متحركة نحو دولة الحق والقانون ، وأن المغاربة لا يمكن أن يتعبأوا للدفاع عن وحدتهم الترابية الا اذا كانوا يتمتعون بحقوقهم ويمارسون حرياتهم، ولعل هدا الحوار بين الملك والزعيم كان في خلفية انطلاق ما عرف بالمسلسل الديمقراطي مع الانتخابات الجماعية سنة 1976 بعد أن قام عبد الرحيم بعدة جولات خارج المغرب في مهمة للتعريف بقضية الصحراء وشرح ملابسات استرجاعها، مستشرفا بذلك أفق الارتباط الجدلي بين الوطنية والديمقراطية، ومجسدا أروع مثال لثلاثية تحرير ديمقراطية اشتراكية.
المثال الثاني.. يتمثل في بيان اللجنة المركزية للحزب المنعقدة في بني ملال في أبريل 1974 تحت رئاسة عبد الرحيم بوعبيد، والذي نبه الى ضرورة التعامل مع إقليم الصحراء المغربية من منطلق ديمقراطي يستحضر الخصوصية الثقافية لسكان الصحراء، حيث طالب البيان بمنحهم نظام حكم ذاتي ، وهو المطلب الدي اعتبر حينها خيانة وخروجا عن الاجماع الوطني واعتبر بعد أربعين سنة مقترحا جديا ومعقولا من طرف المنتظم الدولي بعد أن تأكدت الأمم المتحدة من استحالة انجاز الاستفتاء.
المثال الثالث.. يعود الى 1981 عندما وافق المغرب على مخطط منظمة الوحدة الافريقية بقمة نيروبي القاضي باجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء المغربية وأعرب المكتب السياسي للحزب عن تحفظاته بشأن قبول هدا الاستفتاء ليتبين بعد ربع قرن من متاهات تحديد الهوية وضبط الكتلة الناخبة أن الاستفتاء غير ممكن بتاتا، ورغم أن الحزب أدى ثمن موقفه الوطني الشجاع باعتقال قيادته وتضييق الخناق على أنشطته، فقد أنصفه التاريخ واعترف له برؤيته الوطنية ذات العمق الاستباقي والنفس الاستراتيجي الواضح.
أما المثال الرابع فكان عندما زار في دجنبر 1998 القائد الاتحادي عبد الحمان اليوسفي والوزير الأول لحكومة التناوب الأقاليم الجنوبية وخاطب السكان وشيوخ القبائل بلغة الوضوح والشفافية معلنا أن أقاليم المغرب كلها محتاجة الى جهد تنموي استثنائي وأن زمن الريع في الصحراء ينبغي أن ينتهي، فقام ادريس البصري بشن حملة مسعورة ضد الاتحاديين على اعتبار أنهم يهددون مصالح الصحراويين، لكن التاريخ مرة أخرى أنصف الوطنية الشجاعة والاستباقية للاتحاد الاشتراكي عندما أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي تقريره حول النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية مؤكدا على القطع مع الريع وتنويع الأنشطة الإنتاجية وتشجيع المبادرة الخاصة وخلق الثروات والنهوض بالشغل واقرار الحكامة الجيدة المرتكزة على مبادي المسؤولية وقواعد المحاسبة .
واستقى محمد بنعبد القادر المثال الخامس عن المقاربة الاتحادية الاستشرافية من محمد اليازغي الذي كان يتبرم من تلك النظرية الورائية التي يردد أصحابها أنهم مجندون وراء جلالة الملك في قضية الصحراء، معتبرا أن الموقف الوطني المسؤول والأصح هو أن نكون مع جلالة الملك في هده القضية ولا أن نختبأ وراءه في نوع من الهروب من المسؤولية، وهو بالضبط ما دعا اليه جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، عندما حث على مضاعفة الجهود للتعبئة حول عدالة قضية الصحراء المغربية معتبرا أن الجميع مؤتمن على الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد.
*عن “التحرير بريس”