جميل ان يبادر بعض كتاب المقالات الإعلامية والسياسية الى تناول قضية الصحراء المغربية موضوعا لها بما في ذلك المقالات الواضح انها قد كتبت على عجل وتحمل بالتالي بعضا من سلبيات العجلة في التناول.
وجميل أيضا ان يكون هم تلك المقالات محاولة إبراز نقاط الضعف التي تعاني منها دبلوماسيتنا في تدبير ملف الصحراء على المستويين الإقليمي والدولي. ذلك ان جل هذا قد يكون مفيدا في كل عملية مراجعة حقيقية وهادفة لتلك الدبلوماسية بما يمكن من تفادي نقاط ضعفها ودعم نقاط قوتها متى كانت الغاية الفعلية لتلك المحاولات دعم نضالنا الدبلوماسي على صعيد هذه القضية الحيوية بالنسبة للمغرب.
غير ان التأمل في عدد من تلك المحاولات، وبنوع من التجرد والموضوعية يفيد انها لا يتحرك بعضها، على الأقل، من منطلق النقد الإيجابي من اجل التجاوز وإنما تنطلق من مواقع اقل ما يقال فيها كونها تتحرك ضمن تصور يضمر او حتى قد يعلن ان أعداء وحدتنا الترابية على حق في معاداتهم للمغرب في قضية الصحراء والنزاع الإقليمي المفتعل حولها والذي ترعاه الجزائر الرسمية علنا وبكل الوسائل منذ اكثر من أربعة عقود. هذا اذا لم يكن النقد تعبيرا عن موقف مغاير في جوهره للموقف العام المعلن من قبل الرأي العام الوطني الذي قد يعتبره البعض رأي عام” المخزن” او غير ذلك.
ولعل اهم نقد يوجه الى المغرب في هذا السياق والذي يوحي للبعض بكونه موضوعيا وهادفا الى تمتين الجبهة الداخلية هو شرط حل قضية الصحراء بالمسألة الديمقراطية. غير ان هذه العلاقة الشرطية تنطوي على مغالطات قاتلة.
المغالطة الأولى، اعتبار الخصاص في مجال البناء الديمقراطي سببا رئيسا في بعض الهفوات او حتى الكبوات التي تعرفها قضيتنا الوطنية على المستويين الإقليمي والدولي، كما لو ان المعيار في اتخاذ المواقف حول قضايا الدول والشعوب هو المعيار الديمقراطي. وهو ما ليس ممكنا البرهنة عليه على مستوى العلاقات الدولية، في الماضي والحاضر، وليس قابلا للتغيير في المستقبل .
المغالطة الثانية هي الافتراض الضمني ان سلاح خصوم وحدتنا الترابية بدءا من جبهة البوليساريو الانفصالية مرورا بالجزائر وصولا الى أغلبية البلدان الافريقية وغيرها التي تدعم أطروحة الانفصال تعيش في بحبوحة من الديمقراطية السياسية، والحال، ان عقد اي مقارنة بين ما يعيش عدد كبير منها وبين وضع المغرب في المجال الديمقراطي يُبين بوضوح ان وضع المغرب أفضل بما لا يقاس على هذا المستوى من تلك القوى والدول التي تعادي المغرب علنا في موضوع استكمال وحدته الترابية في جنوبه.
المغالطة الثالثة تقوم على فرضية وهمية يزعم أصحابها ان تمتين الجبهة الداخلية للمغرب يقوم حصرا على المسألة الديمقراطية.
والحال، ان الأبعاد الوطنية والسيادية، في مثل هذه المعارك، تلعب الأدوار الوازنة في مواجهة الخصوم اكثر مما يلعبه الوضع الديمقراطي فيها. دون ان يكون في هذا ما يقلص من أهمية البناء الديمقراطي في حياة الدول والشعوب في مختلف المعارك التي هي مدعوة الى خوضها، الا انها ليست كافية في تقويم نتائج تلك المعارك وبالتالي، فإن حصرها في طبيعة الوضع الديمقراطي مجاف للحقيقة.
المغالطة الرابعة، هي إقامة نوع من التماهي غير المبرهن عليه، على اقل تقدير والوهمي في كل الأحوال، بين المعركة الوطنية والمعركة الديمقراطية مع العلم ان عدم وجود القطيعة المطلقة بينهما لا يبرر استنتاج هذا التماهي. ويمكن القول بخصوص قضية الصحراء المغربية انها كانت منذ انطلاقها قضية تحرر وطني ولم تكن قضية قيام او عدم قيام مجتمع ديمقراطي.
وهذا صحيح عندما كان المغرب يواجه قوى الاستعمار الإسباني قبل المسيرة الخضراء وتوقيع اتفاقية مدريد، كما هو صحيح، في ابعاده الأساسية، عندما تبنت الجزائر وليبيا سابقا أطروحة الانفصال التي ليست في جوهرها الا اعادة احياء مشروع اسبانيا الاستعماري الذي أجهضه المغرب بفضل وحدته الوطنية مجسدة في المسيرة الخضراء التي اجبرت اسبانيا في سياق سياسي محدد على التراجع عن محاولة انشاء دولة قزمية تابعة لها في الصحراء المغربية.
المغالطة الخامسة، الإيحاء بأن الخلاف بين المغرب جبهة البوليساريو هو خلاف حول المسألة الديمقراطية، بينما المشكلة الحقيقية بين المغرب بمختلف مكوناته الوطنية وبين عناصر انفصالية قررت الارتماء في احضان الدولة الجزائرية خدمة لأجندتها التفتيتية للمغرب والرامية الى تكريس هيمنتها على المنطقة مستخدمة في ذلك الجبهة الانفصالية أداة ليس إلا. وعلى هذا الأساس، فإن الأحاديث عن الحل الديمقراطي لقضية الصحراء ليس دقيقا، في أحسن أحواله، وهو يرمي الى التستر عن البعد الوطني لهذه القضية بالنسبة للشعب المغربي. الأمر الذي يصب في مصلحة القيادة الجزائرية ووكيلتها في النزاع الاقليمي المفتعل حول الصحراء لأنها تلح على بعد الانتماء فيه بينما يميل البعض الى ربطه بالقضية الديمقراطية فتضيع البوصلة لديه ليظل البعد التحرري التضليلي فاعلا عند الطرف الآخر تحت مسميات الحق في تقرير المصير او ما شابه.
26 مارس 2016