“يدفع الإرهاب الشامل إلى الحد الأقصى بعدين اثنين هما غياب الأهداف الواقعية والقدرة على استخلاص فائدته من عطوبية الأنساق المعقدة”1
ماهو دور الفلسفة النقدية في تشريح العلاقة بين الإرهاب والعولمة والتمفصل بين الأديان والعنف المدمر؟
ذلك هو السؤال الذي حاول يورغن هابرماس أن يجيب عليه بالاعتراف منذ البداية بالطابع المزلزل للحدث التاريخي واتصاف التساؤل الفلسفي عن الخبر بدراسة الصاعقة التي تخلف البطش والرعب. ولهذا حاول إعادة التفكير في دلالات الهجومات الإرهابية ومدى انتمائها إلى الأحداث الفارقة في الأزمنة التاريخية ومدى تورط العولمة والوسائل الحديثة للاتصال في صناعة الإرهاب وانتشارها بشكل سريع.
لقد حصل إجماع على أن الإرهاب علامة مرض بالنسبة للحضارة الكونية ودليل على أزمة بنيوية في الديمقراطية التمثيلية وفشل الفصل العنيف بين السرديات التأسيسية والقوانين الوضعية ويمثل خطرا داهما على الحياة السياسية التشاركية وعلى النظام التشريعي الضامن لها ويسبب الشلل البطيء للآليات الدفاعية والميكانزمات المقاومة حينما تتعرض الجماعة السياسية لهجوم خارجي وتتحسس ضعفا هيكليا داخلها.
إذا كان جاك دريدا يفسر هذه التصرفات بكونها ردود أفعال دفاعية ناتجة عن الحداثة نفسها والتنوير الذي شرعن الاستعمار وضاعف أشكال اللاّمساواة بسبب التحديث القسري والسريع والإرادة السياسية الغازية ويري أن “العولمة” هي عبارة منمقة تعد الإنسانية بالرخاء والوفرة ولكنها تخفي البؤس والعنف والظلم ويأمل أن تشفى الإنسانية من هذا الوباء الرقمي بأن يتم إخماد النيران والحروب وفض النزاعات التدميرية والتقليل منها ومراقبتها والانتصار عليها بالتدرج وعبر مراحل وبطريقة بطيئة ومدروسة فإن هابرماس يفسر وجود التطرف والإرهاب بالعنف الذي أفرزته العصرنة المسقطة على أنماط الحياة التقليدية وفشل الحداثة في الانتشار على الصعيد الكوني ووجود مقاومات هووية ويشير إلى أن العقل الإنساني مثلما يسمح بالتواصل الشفاف والتنظيم الإداري والتقدم التكنولوجي يفرز أيضا الانفصال والاغتراب والعنف.
بناء على ذلك يخيم شبح الإرهاب العالمي على الحياة الإنسانية ويصدم الوعي ويحتل مساحات التفكير الممكنة وينتقم من المستقبل بأن يلغي كل أمل بالعيش المشترك وكل وعي بالعلاقة التكوينية في الحاضر. وفي نظر هابرماس يمثل العالم الإسلامي حالة خاصة ويوجد في وضع استثنائي، فهو يخلو من التقاليد الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة ويعرف أنظمة حكم مستبدة وشمولية من ناحية أولى ويمتلك ثروات بشرية هائلة ومصادر من الطاقة البترولية الحيوية لا يقدر الاقتصاد العالمي أن يعوضها من ناحية ثانية ولذلك تتحرك الدول الكبرى من أجل حمايتها وتشن الحروب والنزاعات من أجل السيطرة عليها.
العيب الأكبر بالنسبة إلى هابرماس هو في التقاليد والثقافية الإسلامية التي تتناقض مع الحداثة وتوجد في وضعية مواجهة دائمة مع الحضارة الكونية وتستميت في الدفاع عن هويتها وتضحي بحاضرها من أجل الحنين إلى الأصول والبقاء وفية إلى الينابيع ولذلك تحولت إلى تربة خصبة للاستبعاد والإقصاء والعزلة.
والحق أن الإرهاب ظاهرة نفسية متمركزة حول الآلة الرقمية وملتصقة بالعقل الحسابي وتتكثف باستمرار في المستقبل وتتداخل مع التجربة الإنسانية وتلتصق بالعقل التقني والفضاء الرقمي والعالم الافتراضي وجعلت من الدافع المرضي هو استيهامات الأمل والوعد والحلم الذي يمكن الإنسان المقهور من ثبت ذاته في الخيال، ولا مخرج منها إلا بالتحليل والنقد الذاتي للتراث الاستعماري الذي خلفته الحداثة والتنوير.
يفرق هابرماس بين الجريمة العادية وأشكال العنف الأخرى التي يلجأ إليها الأفراد والجماعات للدفاع عن النفس ويعتبر دفاع الفلسطينيين عن أرضهم ومقاومتهم لكل التعديات التي تصادر حقوقهم إرهابا من النوع التقليدي الذي يحدث داخل الأوطان وتمارسه حركات سياسية تجاه كيان سياسي قائم يسمى دولة. غير أن مثل هذا الحكم المتجني هو باطل وقد نتج عن الإحساس بالذنب لدى كل ألماني وربما قد ارتبط بتوبيخ الضمير لما ذاقه اليهود في الحقبة النازية من تشريد وازدراء وصدر عن التمركز الحضاري الغربي.
يصل العنف إلى درجة الفتك والتعدي لكل المعايير حينما يمارس بطريقة فوضوية مدمرة للعدو المفترض ويقابل الحياة بالحياة ويبادل الموت بالموت ويحدث الصدمة والرعب حينما يفقد الغائية ويمارس الإعدام لكل إمكانية للوجود في العالم والتواصل مع الغير وعندما يقضي نهائيا على كل أشكال الحوار والتفاهم.
بوجه عام أن الأسباب المؤدية بصورة غير مباشرة إلى تفجر العمليات الإرهابية هي الكراهية بين الشعوب والاختلافات في التصورات العقدية للحياة وبروز أشكال من التهميش الاقتصادي والظلم الاجتماعي وتعثر المنوال التنموي والتمييز على أساس العرق والجهة والمعتقد واللون والانتماء الهووي واحساس الثقافة الرسمية بالتعالي والتفوق على ما يفد من الهوامش والأطراف.
على هذا الأساس يشكل الإرهاب تجليا صادما للعنف البنيوي الذي يقبع في اللاوعي السياسي للأفراد ويجد الفرصة بالبروز عند احتدام الأزمات الدولية والانتفاضات الشعبية وأشكال العصيان والتمرد. وبالتالي حينما تتعطل لغة الحوار بين الجماعات المتغايرة ثقافيا وحينما يطرأ اضطرابا في التواصل ويسود الانفصال والانطواء على الذات والعزلة والتوحد وتستبد أشكال سوء التفاهم وانعدام الثقة بالمشهد فإن النزاعات تظهر على السطح ويبرز اللاّتواصل ولغة العنف بوصفهما الطريقة الوحيدة للتواصل.
وبلا شك يفضي حدوث اضطراب في دوائر التواصل إلى نشوب العنف والإرهاب وكذلك ينتج هذا التوجه التخريبي إلى تراكم أشكال من سوء التفاهم والمشاحنات التي تعطل بدورها تجربة التواصل.
بطبيعة الحال أدان هابرماس من وجهة نظر أخلاقية الحركات المرعبة للنفوس التي تهاجم وتدمر وتهدد الحياة المدنية وتحمل صفات الهمجية والتوحش مهما كانت الدواعي والوضعيات المضطربة التي دفعت إليها ويرفض أي تبرير للقتل والعنف والألم المسلط على الغير وإلحاق الضرر به وتخليف الضحايا. ويقوم بتحليل كيفية نشوء الظاهرة من زاوية تاريخية ويضعها في سياقات سياسية دولية مضطربة تميزت بنهاية الاستقطاب الثنائي وهيمنة النموذج الليبرالي الغربي في صيغته الرأسمالية الصناعية المتقدمة وبروز تحولات سياسية في مختلف أشكال الحكم وسقوط الأنظمة الشمولية وفقدان الدول السيطرة على الأوضاع الداخلية وعجزها عن مراقبة الأقاليم وفرض نفوذها على الأرض والتحكم في الجماعات الاحتجاجية التي وجدت الفرصة السانحة للقيام بأعمال إجرامية في الداخل والتخطيط لمهاجمة الخارج.
لا يشبه الإرهاب السياسي مطلقا الجريمة العادية التي يتولى القضاء المحلي التحقيق والبت فيها ولا يقدر القضاء الدولي لوحده الحكم على هذه الظاهرة العالمية وذلك لتعقدها ولطابعها المجهري وما تتطلبه من تضافر لكل الجهود وتعاون المقاربات والمعالجات والسعي إلى فض الخلافات بالطرق السياسية السلمية.
ينجم عن ذلك أن إعلان الحرب على الإرهاب بغية درء المخاطر يؤدي إلى ارتكاب أخطاء جديدة لكونه يواجه قوة شبكات مجهرية لا يمكن حصرها ولا يقتصر على محاربة جيش نظامي كلاسيكي لدولة مارقة. ان لفظ الحرب على الإرهاب هو عبارة سقيمة من وجهة نظر معيارية لكونه يرفع من قيمة المجرمين ويمنحهم مرتبة المحاربين الأعداء ومن زاوية براغماتية يستحيل بالقوة العسكرية التغلب على المجهول.
يدافع هابرماس عن مسارات التحديث التي تقوم بها الحضارة الغربية تجاه العالم ويوظف المنعرج اللغوي في سبيل تحقيق أشكال المعرفة الكلية وتجسيد أفكار العقلنة والأخلاق والحرية في المؤسسات القانونية الدولية ويعتبر مقصد الحداثة الغربية في قيام مجتمع دولي حر يسعد فيه الجميع لم يفشل لأنه لم يتحقق بعد بل مازال لم ينته ولم يصل إلى الاكتمال ويتطلب مواصلة عملية التنوير والإصرار على استخدام العقل وتامين القدرة على العمل والبناء والكفاءة في التواصل وقنص المصالح المعرفية والمادية والتقنية والمصالح العملية مثل الانعتاق والاجتماعية والتفاهم والتفاعل والتكامل والمشاركة الكاملة في عمليات اتخاذ القرار وتحمل مسؤولية التدخل البناء والفعال في الفضاء العمومي والتسلح بالتفاؤل والأمل.
غير أن غابة من المشاكل أعاقت بلورة هذه الحداثة البعدية وأدت الى ظهور موجة من النزاعات العدمية المتشائمة والواقعية السياسية المحافظة بسبب التناقض بين البني الاجتماعية والصيرورة التاريخية والنظم المعرفية ويظهر ذلك في قيام التنوير على الاستعباد والبناء الهرمي وتحول العقلانية إلى حساب أدوات.
لقد حاول هابرماس تحويل العقلانية الغربية إلى حكم معياري وتصور مجتمعي ونظام سياسي ديمقراطي ينطبق على جميع البشر بشتى توجهاتهم وأنماط حياتهم ويسمح للجميع بالاختيار على التكافؤ والخبرة. لكن ظهور بوادر الهيمنة والتسلط والاستغلال والاغتراب والأداتية عطلت الأفعال العقلانية التواصلية وأعاقت قوى التطور من الاندفاع نحو إمكانيات غير متوقعة وأنتجت قيم ثقافية معادية للتغير والأنسنة.
رأس الفتيل الذي يغذي الصراع والتصادم بين الغرب والثقافات الأخرى يتمثل في هينة المستوى الاقتصادي على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الثقافي وتحوله إلى العنصر المحدد في شكل تطور النوع البشري والمتحكم الأبرز في صيرورته التاريخية ومصيره. وما يعقد الوضعية أكثر خضوع مؤسسات الدولة لهيمنة رجال الاقتصاد والأعمال وتمادي علاقات القرابة من العائلات المالية في احتكار القرار السياسي والتصرف في شؤون البشر والتنفذ في الإدارة وكذلك الانفراد بالتخطيط ورسم السياسات. علاوة على أن الفكرة التي تربط استقرار الديمقراطيات الغربية بتكون رأي عام حقيقي يمثل قوة ضغط على السلطة ويمكن غالبية الناس من المشاركة والتأثير والتوجيه واتخاذ القرار هي مجرد وجهة نظر متداولة وفاقدة للمصداقية وتحتاج إلى قرائن وإثباتات بالنظر إلى أن البنية الطبقية للملكية تكرس هيمنة القلة على الرأي العام وتقصي الأغلبية وتسمح للعناصر المتحالفة مع دوائر الضيقة من القوة من استخدام الاقتصاد لمآربها الشخصية دون مراعاة المصلحة المشتركة ودون التفكير في استمرار سيادة الدولة.
” لقد وصل تدخل الدولة وما استتبعه من نمو العقل الأداتي إلى حد خطير حتى أضحت اليوتوبيا السلبية ممكنة وقد وصلت عقلنة القرارات التي تخص الشأن العام إلى حد تفويض الكمبيوتر بالقيام بهذا الدور بدل التنظيمات الاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى استبعاد تلك القرارات من مجال المناقشة العامة تماما”2.
غني عن البيان أن يكون الغرب في أزمة ناتجة عن التحولات البنيوية التي عصفت بالنظام الرأسمالي حسب هابرماس وتتجلى في الاقتصاد في مستوى الصراع بين المالكين لوسائل الإنتاج والمنتجين الفعليين تظهر في المجال السياسي الاجتماعي في توتر العلاقة بين الدولة والأفراد وبين الحاكمين والمحكومين وتشتد في المجال الثقافي القيمي في لامعقولية العقلانية واندلاع صراع بين الثقافات من أجل الشرعية.
من المفروض أن يقوم الغرب بتنمية علاقاته مع الثقافات الأخرى والدول المغايرة والكف عن فرض قواعد الحوار ومنطقه الخاص في التفاهم مع الآخر بالقوة والإكراه وأن يعمل على تخفيف درجات الكراهية وحدة العدوانية التي تشعر بها بعض الشعوب تجاهه وخاصة تلك التي تم استعمارها واستغلال ثرواتها ونهب مدخراتها وإهانة رأسمالها الرمزي وتدنيس مقدساتها ولها ذاكرة مثخنة بالجراح. وبالتالي من المفروض أن تقوم الحضارة الغربية بنقدها الذاتي وأن تبحث عن لغة مشتركة وتعول على ترجمة وجهة نظرها الايجابية إلى لغات العالم وتدخل في سياسة حوارية مع الثقافات وتوطد السلم والتعايش.
لا يكفي أن تتحرر العقلانية الغربية من فلسفة الوعي وتنفتح على المنعرج اللغوي ولا يهم أن تتوقف عن طموح التأسيس الموروث عن الأنطولوجيات التقليدية وتتبنى خيارات تداولية تشاركية وتنتهج مسارات إجرائية في الثقافة والسياسة والقانون والاجتماع والعلاقات الدولية بل الأهم هو حسن إدارة الأزمة والوعي بالوضع المرضي المزمن ونسق الأزمات التي يصدره الغرب إلى العالم باسم التضامن والتكافل.
إذا كانت الأزمة في مظهرها الاقتصادي تتأثر باندلاع صراعات جديدة حول الأجور وتحسي شروط العمل وتؤدي إلى فقدان الإنسان السيطرة على الحياة الاجتماعية وبروز توترات نفسية مثل التشويه والكبت وتنشأ نتيجة فوضى السوق وعجز الدولة عن التوفيق بين المصالح المتضاربة للمتنافسين وانجرارها وراء سياسة إصلاحية ترقيعية تقوم على الاقتراض والتداين وبالتالي تقع في شراك التضخم والفشل في تأدية وظائفها الحيوية فإن المنحدر الخطير الذي يهدد الغرب هو نهاية الدولة الأمة وإصابتها بنقص في المشروعية وذلك بحكم فقدان النظام الانتخابي التمثيلي الهالة وحدوث قصور في الدافعية بسبب تنامي البيروقراطية الإدارية وإضعاف قدرات الفئات الشابة والنسوية والشرائح الشعبين من المشاركة.
يعول هابرماس على نظرية الفعل التواصلي في امتصاص العنف اللاعقلاني، الذي يهدد بتمزيق الروابط وبتوتير المناخ وبشحن الأجواء بالمشاعر السلبية، ويجعل من الفاعلية الموجهة نحو التلاقي الأداة الناجعة لبناء أرضية مشتركة للحوار الثقافي والتعاون الاقتصادي والتبادل العلمي والتنافس التقني على الاختراع.
كما يسعى إلى تشييد مجال التجربة المباشرة والتلقائية للرغبة والمعرفة والفعل على التكامل الاجتماعي وربط الحياة اليومية للناس بالحوار العقلاني المتبادل وتمتين جسور التواصل بين الأفراد والمجموعات والشعوب وفق الحجة والتعقل وليس وفق الأعراف والعادات والتقاليد وعن طريق الإقناع وليس الإكراه.
تبدو العملية معقدة ومتشابكة وتهم الجانب الإداري والمعطى القانوني وتطرح في إطار شبكات الاتصال والمنظومة الرقمية وتمس أيضا الرموز الثقافية والقناعات الدينية وتهم أشكال الرقابة السياسية للأفراد. وإذا أردنا بناء الثقة على الصعيد الكوكبي وبلوغ علاقات دولية مستقرة فإنه من الضروري الشروع في تنقية الأجواء على صعيد الإيمان والعلم والعلاقات الثقافية قبل المسارعة بوقف التهديدات العسكرية وحلحلة المشاكل السياسي بفرض لغة السلم والتفاوض الديبلوماسي بدل لغة التهديد والوعيد الحربي.
بلا ريب إن نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة والقيم التقدمية والتربية على الديمقراطية وترشيد الممارسات الليبرالية في الحياة العامة وتنظيم ورشات النقاش ودورات الحوار هي خطوة في الطريق الصحيح نحو استكمال المشروع الأنواري من أجل تحديث المعمورة ومهما كانت أشكال المعاندة والعرقلة حادة وعنيفة فإن المنتصر الوحيد حسب هابرماس هو العقلانية التواصلية ومؤسسات التفاوض والتوافق.
خلاصة القول أن القيمة المضافة في التواصل بين الشعوب لا يمكن احتكارها وادخارها من جهة دولية واحدة وأن توزيع رأسمال الثقة المتبادلة بين الشركاء في تعمير الكوكب وإزالة الحدود والحواجز أمام تنقل الأفراد والبضائع ورؤوس الأموال والمعلومات والخبرات هو الخيار الكوني والتمشي الحضاري التمديني الذي يجب أن يسير فيه الكل دون استثناء حتى يتم القضاء على الإرهاب واقتلاعه من جذوره. “بالتالي يقتضي التواصل – باعتباره شرط إمكان دون أن يكون هدفا- بخصوص العالم وجود نظام لغوي عمومي يشترك فيه الناس في الواقع الحي.. ويتشرب التقاليد الموروثة والمواقف الجماعية حول العالم”.3
لهذا السبب على الحضارة الغربية أن تراجع الصورة النمطية التي كونتها عن نفسها وسببت لها الأذى والشيطنة وأن تغير من نهج سياساته تجاه العالم وأن تكف عن استعمال شعار صدام الحضارات من أجل تحقيق مصالحها الاقتصادية وتتخلى نهائيا على الحلم الاستعماري الأنواري بالتسيد التقنوي للوجود.
الآية على ذالك هو” أن حوار حضارات جديدا سيتيح نزع الصفة الجبرية على المستقبل والتدرب على تصور إمكانيات أخرى وتحقيقها والعثور من جديد على توازن مع الطبيعة وأهم ما في الأمر هو خلق شروط تتيح لكل امرئ أن يتصور ويعيش إمكانيات أخرى وأن يشجع تحديد الغايات تحديدا ذاتيا.”4
لكن تبشير هابرماس بالنموذج الليبرالي الديمقراطي وتبنيه نهج العولمة ومناداته باستكمال إستراتيجية الحداثة بالنسبة إلى بقية الشعوب والدول المتخلفة عن الركب ألا ينم عن إعادة إنتاج للمركزية الغربية والصورة النمطية الخاطئة عن الغير؟ لماذا أساء الظن بالفلسطينيين المدافعين عن حقوقهم المشروعة حينما نعتهم بالإرهابيين؟ ماذا أنتج التواصل غير الاعتراف بالعدو والتطبيع مع الواقع والتنازل عن الحق؟ أليس من اللائق أن يحترم الغرب مقدسات الشعوب التي تختلف مع منظومته المعيارية للحياة؟.
*عن موقع وكالة النبا