ليس نزاع الصحراء المغربية سوى نزاع مفتعل. لم يكن سرّا في ايّ يوم من الايّام ان الجزائر تقف خلف افتعال هذا النزاع بهدف واحد وحيد هو استنزاف المغرب. الموقف الجزائري ليس مستغربا، خصوصا انّه لم يكن لدى النظام الجزائري في يوم من الايّام سوى سياسة واحدة تقوم على الهرب الى الأمام من اجل التغطية على الفشل الداخلي المستمر على كل صعيد.

من هذا المنطلق، لا يبدو الموقف الجزائري من موضوع الصحراء المغربية مستغربا، خصوصا في ظلّ الازمة العميقة التي يعاني منها البلد الذي يمتلك ثروات كبيرة، بما في ذلك الثروة البشرية، لكنّه يرفض استخدام هذه الثروات بما يخدم المواطن الجزائري.

المستغرب هو موقف الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي يصرّ على الانحياز للجزائر وموقفها من الصحراء المغربية بدل السعي الى التعاطي مع الواقع من منطلق يصبّ في خدمة سكّان الاقاليم الصحراوية التي هي تاريخيا جزء لا يتجزّأ من المملكة المغربية.

سيجيب بان كي مون، الذي اتخذ موقفا عدائيا من المغرب بهدف تعقيد القضية المطروحة، انّه ملتزم قرارات الامم المتحدة التزاما حرفيا. هذا صحيح الى حد كبير لولا انّه يفسّر هذه القرارات على طريقته، وهي طريقة اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها شاذة. هناك اكثر من طريقة لفهم القرارات المتعلّقة بالصحراء، خصوصا في ظلّ عجز الامم المتحدة عن تنظيم استفتاء في تلك المنطقة المغربية.

لا يمكن تفسير مواقف بان كي مون، وهو على عتبة الخروج من موقعه الّا بالرغبة في التصرّف تصرّف الموظف المواظب، هذا اذا كان على المرء ان يكون حسن النيّة. هناك اشخاص لا يمكن ان يكونوا غير موظّفين، على الرغم من تحمّلهم مسؤوليات سياسية كبيرة. صحيح ان الامين العام للامم المتحدة موظّف كبير وانّ عليه ان يكون امينا للقرارات الصادرة عن مجلس الامن ونصوصها، لكنّ الصحيح ايضا ان مهمّته لا يمكن ان تقتصر على الدوران في حلقة مغلقة، في حال تبيّن انّ قرارا معيّنا لم يعد يصلح لمعالجة مشكلة معيّنة في مرحلة معيّنة. وهذا ينطبق على الصحراء التي عادت الى اهلها والى البلد التي هي جزء لا يتجزّأ منه وذلك منذ “المسيرة الخضراء” في تشرين الثاني ـ نوفمبر من العام 1975.

استخدمت الجزائر، وفي مرحلة معيّنة ليبيا ـ معمّر القذافي، ما يسمّى جبهة “بوليساريو” لخوض حرب بالوكالة مع المغرب. تحوّلت قضية الصحراء وسيلة لابتزاز المغرب ومنعه من صرف الجزء الاكبر من الموازنة على التنمية. هذه، باختصار شديد، قصة الصحراء كما يفترض في اي شخص، حتّى لو كان موظفا كبيرا فهمها.

لا وجود لـ”احتلال” مغربي للصحراء كما يدّعي بان كي مون. مثل هذا الكلام ينمّ عن رغبة في الانتقام من المغرب الذي لم يوفّر جهدا في السنوات الماضية من اجل توفير حياة كريمة لابنائه في الاقاليم الصحراوية في اطار حكم ذاتي موسّع.

ما الذي يطرحه بان كي مون على اهل هذه الاقاليم؟ هل يطرح عليهم العيش رهائن لدى الجزائر في مخيمات البؤس المقامة في تندوف؟ مثل هذه المخيمات التي تديرها “بوليساريو” صارت مرتعا لكلّ ما من شأنه نشر حال من عدم الاستقرار في كلّ منطقة الساحل الافريقي التي تعاني اوّل ما تعاني من الارهاب والتطرّف بكل انواعهما.

تشير تصرّفات بان كي مون الى انّه كان سعيدا بوجود رهائن لدى “بوليساريو” والجزائر في تندوف. يبدو سعيدا بوجود مثل هؤلاء في مخيمات تفتقر الى حدّ ادنى من المقومات التي تسمح للانسان بالتمتع بحدّ ادنى من العيش الكريم والكرامة.

من حقّ المغرب الدفاع عن نفسه. المغرب بلد واضح بكلّ المقاييس. من حقّه ايضا افتراض وجود سوء نيّة لدى الامين العام للامم المتحدة الذي يفترض به ان يعرف قبل غيره انّ ليس مطلوبا تأجيج الصراعات في منطقة شمال افريقيا، بمقدار ما انّ المطلوب البحث عن حلول عملية من اجل الانصراف الى الحرب على الارهاب بدل المشاركة في حرب لا فائدة منها يتعرّض لها المغرب.

اكثر من ذلك، يُفترض في الامين العام للامم المتحدة ادراك انّ المدخل الصحيح للانتهاء من قضية الصحراء تاكيد انّها نزاع بين المغرب والجزائر، نزاع تقف وراءه الجزائر التي هي ضحيّة امرين. الاوّل وهم الدور الاقليمي والآخر عقدة المغرب ولا شيء غير ذلك.

اليست لدى بان كي مون اسباب تدعوه الى القلق من استثمار الجزائر في “بوليساريو” من اجل ابتزاز المغرب؟ اليست لديه عينان تستطيعان رؤية الفارق بين الوضع المعيشي للمواطن الجزائري العادي الذي تمتلك بلاده ثروات ضخمة من جهة والمواطن المغربي من جهة اخرى؟ اليس لديه حدّ ادنى من الفضول السياسي للتساؤل لماذا تصرّ الجزائر على اقفال حدودها مع المغرب، وهي حدود مغلقة منذ العام 1994؟

ليس سرّا ان المواطن المغربي في وضع افضل بكثر من المواطن الجزائري على الرغم من افتقار المملكة للثروات الطبيعية في مقدّمها النفط والغاز.

يخشى ان تكون لدى بان كي مون اجندة خفيّة تخفي مخططا ما ضد المغرب الذي تحوّل الى استثناء في منطقة شمال افريقيا. المملكة واحة سلام في منطقة تمرّ دولها، على رأسها ليبيا وتونس والجزائر، بازمات عميقة. لم يعد معروفا كيف يمكن لبلد مثل الجزائر ان يتحكّم به رئيس مقعد ليس معروفا من يتخذ له قراراته من بين افراد الحلقة الضيّقة المحيطة به؟

يجد عبد العزيز بوتفليقة الوقت، او ان هناك من يجد له الوقت، لعمل كل ما من شأنه استعداء المغرب. هل تبرّر عقدة المغرب كلّ هذا الجهد من اجل ابقاء مجموعة من الصحراويين في سجن كبير هو مخيمات تندوف، بدل استعادة هؤلاء حريتهم في الاقاليم الصحراوية حيث لديهم كلّ حقوق المواطن المغربي في ظل اللامركزية الموسّعة؟

ليس لدى المغرب ما يخجل به. عندما يخطئ الامين العام للامم المتحدة، لا مفرّ من وضعه عند حدّه وذلك عن طريق اتخاذ موقف من بعثة الامم المتحدة الموجودة في الصحراء. المغرب ليس لقمة سائغة. اذا كان بان كي مون يسعى الى توفير قضايا تشغل خليفته، من الافضل له ان يبحث عن مكان آخر غير المغرب حيث قضيّة الصحراء قضيّة وطنية كما كشفت التظاهرات الاخيرة في الرباط وفي الاقاليم الصحراوية.

الاكيد ان ليس بهذا التصرّف الذي ينمّ عن سطحية كبيرة او عن لؤم شديد، يمكن لبان كي مون وداع الامم المتحدة. المنظمة الدولية تستأهل افضل من هذا الوداع الذي يشكّل اهانة لرسالتها.

 *عن موقع  صحيفة العرب 

*نُشر   الاحد 20 مارس 2016، العدد: 10220

 

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…