من المحقق أن القرار الصادر عن المجلس الدستوري بشأن القانونين التنظيميين للسلطة القضائية سيدخل حوليات التاريخ القضائي، بل السياسي في بلادنا.
وقد حسم جزء من النقاش المتعلق أولا بالاستقلالية الواجبة للقضاة، لا سيما بعد أن فتح الدستور الآفاق الواسعة أمام الاقتراب من هذا الانجاز، وتحقيقه ميدانيا.
1- كان النقاش الصاخب أحيانا والمؤسساتي أحيانا أخرى ، حول الأوجه المثلى في تحقيق الاستقلالية قد تركز، في البرلمان كما في أوساط القضاء وهيئاته التمثيلية حول تبعية النيابة العامة من عدمها للسلطة التنفيذية، أي وزير العدل في حالتنا هاته.
وفي هذا السياق تقرر الفصل النهائي والواضح بين السلطتين القضائية والتنفيذية، كإحدى شروط الديموقراطية في العالم اليوم.
2- تبين من خلال أطروحة الحكومة ومقتضيات القانونين اللذين قدمتهما وسارعت إلى تحصين تشريعهما بأغلبيتها العددية، أن تأويلها لم يكن ديموقراطيا لفصول الدستور ذات الصلة. وقد بدا منذ القرار المذكور أن هاجس الحكومة كان هو التصرف في القضاء من خلال النيابة العامة من جهة ومن خلال ما قدمته كحيثيات الخطأ الجسيم من جهة ثانية.
3- في الجانب المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أيضا تبين أن مسعى الحكومة للتحكم في دواليب المفتشية العامة للشؤون القضائية، مسعى سياسي أكثر منه قضائيا أو قانونيا يخدم الهدف الأسمى وهو الاستقلالية التامة للقضاء باعتباره ضامن الحقوق والحريص عليها.
وهو ما تكرس من خلال الوضع الاعتباري لوزير العدل، الذي أصرت عليه مقتضيات القرارباعتباره «شخصية» يطلب رأسها عند الاقتضاء ، عوض حرص المشروع الحكومي على أن يحضر بصفته وزيرا ، ضمن الهيكلة المقترحة للتركيبة المتوخاة في هذا المجلس.
لقد قام الدليل المؤسساتي، وليس بالسجال السياسي فقط بأن التوجه الذي أصرت عليه الحكومة في تفعيل مقتضيات الدستور كان توجها تحكميا، ويبتر التجربة الدستورية التي أفرزتها حركة الإصلاح الكبير المنبثقة من خطاب 9 مارس ودستور فاتح يوليوز.
ومن الطبيعي أن ينتظر الرأي العام الفعل الحكومي بعد أن قال المجلس الدستوري كلمته. وينتظر تعاملها مع القضايا ذات الصلة برد مقترحاتها في شؤون عديدة من القضاء.