عن صفحة الفيس بوك الخاصة بقيلة افردا الساحل
من رجالات العلم والكفاح بقبيلة افردا
ايها الفرداويون والفرداويات لقد اخترنا اليوم ان نحدثكم عن رجل شهم بلغت شهرته الأفاقين رجل معروف بخصاله الحميدة وصرامته القوية ،رجل مقاوم ومناضل عالم ضحى بالغالي والنفيس من أجل تحرير هذا الوطن، ولكي يستنشق شعبه نسيم الحرية ويستعيد كرامته ،انه المرحوم بالله الحاج المتوكل عمر الساحلي .
لكن قبل أن نسترسل الكلام في تعريف هذا الأخير وتحديد نسبه، أسمحوا لى أيها الإخوة والأخوات أن أطرح وإياكم هذا السؤال من يكون هذا الرجل ؟
قد يتفا جئ البعض من طرحنا لهذا السؤال والرجل ابن بيئتنا وقبيلتنا ،لكن اسمحوا لي أن أقول لكم بصدق بأن جيلي من الشباب والذين أتوا بعدنا لم ولن يتعرفوا على هذا الهرم الفرداوي ،لكون الرجل لم يقطن معنا في نفس المنطقة اللهم إلا بعض الأيام القليلة التي لا تتعدى يومين أو ثلاثة يحرص فيها زيارة موطنه الأصلي تزامنا مع مناسبة ذكرى وفاة أبيه التي اختار سيدي عمر طيلة حياته أن تكون صلة للرحم مع فقهاء وأصدقائه الساحليين ، رجل عشق عاصمة السعديين ـتارودانت ـ ومكث فيها إلى أن سلم مثواه الأخير لربه سنة 2003 .
تعريف عمر المتوكل الساحلي :
هو الحاج عمر بن ابراهيم بن احمد بن مبارك بن سعيد الملقب ـب الأمازيغية ب” عدي” ـ وبتسمية هذا الأخير سمي دواراهم بإدعدي ،ويرجح أن يكون بذلك أول من استوطن المكان هو جد عائلة المتوكل ،لأنه كما جرت العادة عند الأمازيغ أنهم يسمون الدواوير بأسماء أقدم العائلات التي استوطنتها ـ ابن محمد بن احمد بن موسى بن باها بن محمد البوزيادي ( من أيت ياسين). ومن المرجح أن الحاج عمر المتوكل الساحلي ينتمي لفخذة اداوبوزيا من قبيلة آيت ايخلف إحدى قبائل آيت باعمران.
ولد الحاج عمر بن ابراهيم المتوكل الساحلي كما جاء في الجزء الثاني من كتابه “المدارس العلمية العتيقة بسوس والمعهد الإسلامي بتارودانت” سنة 1912 ( سنة توقيع وثيقة الحماية ودخول الاستعمار للمغرب) بدوار ” إد عدي” قبيلة الساحل إقليم تيزنيت. عاش طفولته متنقلا بين كتاتيب قرآنية عديدة بقبائل الساحل حيث درس على يد شيخه سيدي ابراهيم الأفودي وعلى يد أبيه في مسجد “القصبات” ، ثم بعده أنتقل مع أبيه إلى مسجد” التكن ” ثم إلى مدرسة “افردا” وماسة وآيت ابراييم،
ثم انتقل مضطرا مشارطا ممارسا للتعليم والإمامة بمنطقة أولوز ناحية تارودانت، بمدرسة سيدي سعيد ؤاحمد . وهناك مارس تعليم القران ومختلف العلوم الشرعية واللغوية لطلبته …وتزوج من دوار تيركت من اسرة ايت وليل باولوز ..وعمل على نشر الفكر الوطني وروح المقاومة بالمنطقة عن طريق استقطاب عناصر موثوق بها ومن بين ما قام به تاطير وتنظيم الاحتجاجات والعرائض لمواجهة حملات نزع اراضي المواطنين بما في ذلك تسجيل دعوى قضائية ناجحة لفائدة الساكنة بمحكمة مراكش ..وبقي باولوز الى ان اعتقل واحيل على سجن اكادير حيث بلغه نبا وفاة والده رحمه الله …ثم امر بمغادرة اولوز بسبب وطنيته الواضحة وارتفاع تعاطف وانضمام الساكنة للصف الوطني فانتقل الى مراكش التي استقر بها وكان من مؤسسي المقاومة ومن مطلقي العمليات الفدائية ضد الاستعمار والتحق على يدية من اصبح من كبار المقاومين والمجاهدين امثال الفقيه سي محمد البصري …وتعرض للاعتقال اكثر من مرة ..ليضر الى الانتقال للدار البيضاء لاتمام مهامه في النضال ضد الاستعمار الا ان خطورة استمرار بقائه بالبيضاء واحتمال اغتياله او اعتقاله واعدامه اضطر رفقه في قيادة المقاومة الى تدبير تنقيله سرا الى سيدي افني ..وكان منفذ عملية التنقل ومدبرها المجاهد والشهيد سي ابراهيم التيزنيتي …وبقي بها يؤطر وينسق مع اخوانه اعمال المقاومة الى ان استقل المغرب …
دخل الحاج عمر الساحلي غمار السياسة في ريعان شبابه ،انخرط في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وما أدراك هذا الحزب في زمانه، ويعتبر ضمن مؤسسيه ،وقبل هذا كان من رجالات الحركة الوطنية منذ أيامها الأولى وقبل أن يندس فيها بعض الخونة كما صرح بدلك في الجزء الأول من كتابه ، عاش زاهدا متعففا عن الدنيا اقترحت عليه مناصب كبرى بعد الإستقلال، فرفضها كمنصب القائد على منطقة تحناوت ،ومنصب القضاء في مدينة إنزكان ،واختار أن يولوه مهنة التدريس فكان له ذلك ،حيث عين بعد ذلك مديرا للمعهد الإسلامي “بتارودانت” الذي كان من بين مؤسسيه ومن أشد المدافعين عنهم طيلة حياته ،وحوله تنصب جل مداخلات واستفساراته لما كان نائبا بالبرلمان .
صعد المرحوم الساحلي البرلمان عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في دائرة تزنيت سنة 1962،وبسبب مواقفه السياسية الجريئة نكل به وسجن لمرات عدة ،حيث كان من أشد المعارضين لدستور 1962 مقارنة مع زملائه في جمعية علماء سوس الذين لم يبدوا أي تحفظ تجاه الوثيقة الدستورية، كان الرجل كذلك من ضمن أول المناضلين الذين رفعوا شعار الملكية البرلمانية بالمغرب وفي زمن عز فيه الكلام ،
كانت للعالم سيدي عمر الساحلي مكانة مميزة في أوساط السياسيين الكبار بالمغرب وكذلك مع تجار سوس المعروفون في الخمسينات والستينيات من القرن الماضي والذين اشتعلوا معه في تسيير المعهد ،أمثال الحاج عابد السوسي والحاج “أحمد الكدورتي ” والفقيه البصري والمختار السوسي وغيرهم كثير ،ولو كان للمرحوم تهالك وطمع كتهالك الناس على الدنيا لا شترى سوس وما فيها ،لكنه اختار أن يعيش زاهدا متواضعا ،لم يخلف لأبنائه حين سلم روحه لربه خاشعا مطمئنا لا مال ولا عقار ،”ترك لهم العلم فمن أخد به أخد بحظ وافر” .
جهود المرحوم في خدمة مسقط رأسه :
قبل الكلام عن بعض جهود المقاوم في خدمة قبيلته، يستحسن أولا أن نشير إلى ملاحظة مهمة حول الرجل، وهي: أنه يعتبر جهة سوس كبيت صغير له، يناضل من أجله في تحقيق تنميته من جميع الجوانب ،وبمنطقه ذاك استطاع أن يتجاوز تلك النظرة الضيقة التي تغذي النزعة القبلية و تعتبر القبيلة مركز الكون ،ويتضح هذا جليا في كونه اختار أن ينتسب لفيدرالية قبائل الساحل عموما وسمي بدلك نفسه ساحليا بدل “الفرداوي ”
تواجد الحاج عمر الساحلي على رأس إدارة المعهد الإسلامي بتارودانت وفروعه في جل قرى ومدن سوس منذ بداية انطلاق أول موسم دراسي سنة1956 ،لم ينسى قبيلته التي ولد فيها حيث فتح فيها فرعا تابعا للمعهد سنة 1959 ،المتواجد بدوار” الزاويت افردا ” وهو الذي التمس من أبناء سيدي براهيم أعراب “الحسن “و”محمد “أن يوقفوا تلك البقعة التي بني فيها هذا الفرع بجوار المدرسة العتيقة …إلا أن بعض العوام دووا النظرة المحافظة سامحهم الله آنذاك ،كانوا ضد الفكرة ومن الرافضين لها واعتبروا ذلك محاولة من المرحوم لإفساد جو المدرسة العتيقة ،بذلك الفعل وقفوا أمام تحقيق حلم أبنائهم في ولوج مهن مشرفة كالقضاء والمحاماة وجميع المهن المعربة التي فاز بها أغلبية أبناء ساكنة “أكلو “الجارة،الأمر الذي جعلنا يوما نتساءل عن السبب في ذلك فوجدنا “أيت ؤكلو” كانوا آنذاك من المرحبين بهذه الفروع في منطقتهم وسجلوا فيها أبناءهم .
نرى كذلك أن من بين جهود العلامة في خدمة منطقته ما كتبه عن مدرسة افردا العتيقة ،حيث لا يمكن لأي باحت في تاريخ المدرسة وأمجادها ،تخطي ما كتبه هذا الأخير مستفردا بذلك لكونه من بين الرجال القلائل الذين يكتبون في جميع ناحية أربعاء الساحل ،وبهذا يكون قد أنقد ما بقي من تاريخ هذا المدرسة من براثين النسيان والإهمال لا سيما وأن النخبة المتعلمة في منطقتنا جلها مصابة بعقدة الكتابة واللامبالاة.
بعض كتب ومؤلفات العالم :
يعتبر المرحوم الحاج عمر الساحل من فطاحل الأدب العربي ومن الشعراء خاصة شعرا لمناسبات شهد له بذلك المرحوم المختار السوسي والأستاذ عبد الله كنون ومن السياسيين القلائل في المغرب الذين كانوا يحرصون على تسجيل وتقييد الفوائد الأدبية والتاريخية التي استوقفته ، وقد خلف المرحوم في خزانته ست كناشات يضمها هذه الفوائد ،كذلك كتاب نفحة بدوية بسوس” مخطوط ، نتمنى أن يعمل أبناؤه على طبعها لكي تعم فوائدها جميع القراء كما عمت فوائد كتاب المدارس العلمية العتيقة بسوس والمعهد الإسلامي بتارودانت .
حقيقة إنه ليس من السهل اختزال مسيرة رجل مثل الحاج عمر المتوكل الساحلي، في سطور قليلة، فالرجل جمع بين خصال المجاهد الوطني من أجل الاستقلال، والمربي، والعالم السلفي المتنور والمنفتح .
هذا إذن هو الحاج عمر الساحلي المتوكل البحر رحمه الله ابن دوار “إدعدي” قبيلة افردا الساحل .ونكتفي بهذا القدر عن حياة المرحوم ومع عالم أخر من علماء قبيلة افردا .
*نشر بها يوم الثلاثاء 9مارس 2016