إن أي متتبع للحياة السياسية في المغرب، سيجد أن هناك معطى يتكرر قبل أي استحقاقات انتخابية، إذ تطرح القوى الديمقراطية، ومن بينها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على بساط النقاش، مسألة مراجعة العديد من القوانين والإجراءات التنظيمية، بهدف البحث عن أفضل السبل لتحقيق النزاهة والفعالية وتصحيح المسار الديمقراطي.
لذلك، تفتح المشاورات، قبل كل استحقاقات، من أجل التداول بخصوص المقترحات والمشاريع المطروحة، لأن المنظومة مازالت ناقصة، وفي كل تجربة، تبرز سلبيات بعض مقتضياتها، مما يستدعي المراجعة المتواصلة، لتصحيح الاختلالات.
ومن خلال مراجعة سريعة لهذا المسار، منذ تسعينيات القرن الماضي، نجد أن مطالب القوى الديمقراطية، شملت كل مفاصل هذه المنظومة، ابتداء من اللوائح الانتخابية، مرورا بأنماط الاقتراع وضمان النزاهة وحياد السلطة ومحاربة الرشوة… وانتهاء بمكاتب التصويت.
لم يكن النضال في هذا المسار سهلا. فقد استغرق سنوات طويلة، من الكفاح والمرافعة والاجتهاد، لاستحضار النماذج الجيدة والملائمة للبيئة المغربية، ولحاجيات النزاهة. فكانت معركة بطاقة الناخب طويلة وحكاية لوائح المصوتين عسيرة، ومازالت مفتوحة، وتطلب أمر اعتماد الورقة الموحدة، في التصويت، بدل الأوراق الخاصة بكل مرشح، سنوات من الجهد، كل هذا من أجل الحد من التزوير.
لقد كان هذا الجهد، ومازال، منصبا على ضمان نزاهة الانتخابات، ومواجهة استعمال الأموال لشراء الأصوات، والارتقاء بالعملية الانتخابية لتصبح معتمدة على أبعاد سياسية وفكرية واضحة، لعرض البرامج الحزبية على الناخبين، بدل عرض الأعيان والولاءات الشخصية، زبونية أو دينية أو عصبية عائلية وقبلية.
في هذا الإطار، طرحت مسألة نظام الاقتراع باللائحة، الذي كانت أهدافه متعددة، من بينها أن يصوت الناس للبرامج والأحزاب، بدل الأشخاص، وأن تتم محاربة مظاهر الفساد الانتخابي، حيث يُسَهلُ نظام الاقتراع الفردي الاسمي، شراء الأصوات نظرا لمحدودية حجم الدوائر، بينما كان المنتظر من نظام اللائحة عبر دوائر واسعة الحجم، الحيلولة دون هذه الإمكانية.
غير أن التجربة أثبتت أن الأسلوب المعتمد للائحة، لم يصل إلى النتائج التي كان ينتظرها الصف الديمقراطي، فأسلوب الاقتراع اللائحي، لا يُمكن أن يحقق أهدافه إلا من خلال الدوائر الانتخابية الكبرى، و ما حصل هو أن هذا النظام، تم إفراغه من محتواه، حيث أصبح عدد المقاعد، المتنافس حولها، لا يتعدى أربعة في أقصى الحالات. وهكذا تحول إلى نظام بلا معنى، أي إلى نوع من اللوائح الفردية.

*عن

        الخميس 3 مارس 2016

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…