اضطر الرميد أن يعترف أمام المؤتمر الوطني الرابع للنقابة الديمقراطية للعدل بأن هذه الأخيرة هي الأكثر تمثيلية للعدليين ، وهي الجملة التي قرأها الحضور المتتبع باستغراب كبير بمجرد ما قفز للأذهان مسلسل التضييق الذي عانته النقابة المذكورة من وزير العدل شخصيا ، وهو ينعت مناضليها بشتى النعوت السيئة التي دونها التاريخ في الزمن الصعب ، الذي تنازل الوزير اليوم عن آلياته تجاه نقابة العدليين ، بتكتيك لا يعرفه سوى مبدع النقابة عبد الصادق السعيدي ، والذي اضطر بدوره للمجيء بمثال «بئر عبدة ودكالة « ليفسر وجود الوزير الذي ألقى كلمة في افتتاح مؤتمر النقابة الأكثر شراسة في مواجهة الحكومة وخاصة وزارة العدل والحريات

وتلك هي الرسالة التي أراد عبد الصادق السعيدي إيصالها ، لأنه بالفعل استطاع أن يجلب الماء من البئر وهو واقف ،في حين تنازل الوزير وانحنى ليجلب الماء من بئر «النقابة»، معترفا بانتصارها على كل مقاوماته ضد مطالبها العادلة ، ليأتي بعد أربع سنوات كاملة معترفا أنه أخطأ الحساب عندما واجه حقوق العدليين ومطالبهم ، والحال أنهم ضحية لرياح اليسار التي غطت محياهم بالفعل وقوة الانتماء، وجعلت الوزير يوظف كافة سلطه حتى في الدهاليز والممرات وفي الإدارات المجاورة للمقاومة بكسر الأرجل والأعناق، وتلك هي الصور التي ذكر افتتاح المؤتمر بمشاهدها الأليمة عربونا على عزم النقابة مواصلة النضال رغم كل انحناءات الحكومة لجلب الماء من البئر في الزمن الضائع، وهو زمن العطش للعودة الى كراسي القرار لأن «الولف صعيب».
يدري الوزير جيد أنه ضيع الزمن الحكومي في المواجهة السلبية للمطالب المشروعة ، وأن المؤتمر الذي جاء إليه لفتح صفحة جديدة في نهاية عمر الحكومة ينعقد على إيقاع التراجعات الكبيرة التي مست حتى المكتسبات بالإجهاز الفعلي من طرف الحكومة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب المغربي، في الوقت الذي كان من المفروض أن ينعم المغرب بتفعيل مقتضياته الدستور وفتح ورش الإصلاح ،الذي اتخذ منحى خطيرا يدعو إلى القلق كما يدعو إلى مزيد من الحذر واليقظة. وذلك بناء على الطرق الملتوية والروح غير الإيجابية التي فعلت بها الحكومة عددا من النصوص التشريعية المتعلقة بالقوانين التنظيمية المصاحبة للدستور.
لا يمكن لوزير العدل الذي أتى مبتسما ومنتشيا بكلمته أمام العدليين أن يغطي الشمس بالغربال في كونه قاد حوارات مغشوشة، كما لا يمكن لانحناءة في جلب الماء من «البئر» أن تعيد المصداقية إلى جلوس مماثل اللهم في دلالات «بئر العبدي» الذي يعي صاحبه جيدا ما معنى أن يشرب «الحمري» من ماء «الدكالي» بعدما أهانه لأنه اضطر أن يشتغل خماسا عندما كفت السماء عن عطائها، وجفت الآبار ويبس الزرع وقالت دكالة لعبدة وكذلك أحمر :»تعالوا الى بلاد السقي فبلادنا بلاد الربيع « إذا أردتم إطعام أبنائكم وحماية نسائكم من ليلة قهر تحت الأجسام المكتنزة القادرة على ملء الأكياس «بالزرع البوري «. وقالوا لأبنائهم في غيبة «الخماسة» «:شمروا عن سيقانكم وشدوا طريق عبدة واحمر ياك دكالة كلهم رجالة»…
فعلى الوزير أن يعرف أن الزمن ليس الزمن ، وأن مغرب اليوم هو مغرب المواطنة ومغرب الحقوق والواجبات ومغرب المؤسسات ، وبئرنا هو بئر التشارك في العمل المؤسساتي ، بالمسؤولية والمحاسبة، وأنا دارنا هي دار وطن نبنيه بالقيم الديمقراطية والحداثية وبالمشروع الذي مات من مات من أجله وأعتقل واختفي ، وأن لا تراجع عن المكاسب في البناء الديمقراطي وأن دولة المؤسسات هي الدولة التي تعي جيدا قوة الأحزاب والنقابات في دورها واستقلاليتها، وأن «تسخان الكتاف « ليس لغتنا». نحن مع المؤسسات القوية في الحكومة والدولة ، لهذا نقول للرميد أنه أخطأ بالفعل تجاه العدليين كما أخطأ إزاء رجال ونساء القضاء وضيع الحوار الذي فتح في المنظومة العدلية ككل ودفع بقوانين كسرت المسار، كما أخطأ رئيس الحكومة في التفعيل الإيجابي للدستور بضرب التشارك في مشاريع القوانين والإتيان بمشاريع على المقاس وتمريرها بالإعمال بالأغلبية العددية، ولهذا لن ينفعنا انحناؤك لجلب ماء من بئر لم تشاركنا مياهها في حينه ، وأن نشاركك اليوم مضطرين فذلك من أجل ألا يضيع وطن.

 *الاثنين 29 فبراير 2016

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…