لولا المهنيةُ واليقظةُ الفائقة للجهاز الأمني المغربي، لعشنا اليوم مأتما حقيقيا، إذ كانت الكتيبة المسماة «أشبال الجهاد»، قاب قوسين أوأدنى، من تنفيذ عملية إرهابية كبيرة، تستهدف مراكز تجارية ومؤسسات وشخصيات مدنية وعسكرية.
و إذا كانت المعطيات التي تم الكشف عنها، لحد الآن، تؤكد خطورة هذه الخلية، وقدرتها على تجنيد الأشخاص، وتجميع الأسلحة، وتوفير المخابئ، فإن الجزء الخفي من جبل الجليد العائم، يظل هو العمل الجبار الذي قام به جنود في الخفاء، من أجهزة ساهرة على أمن المغرب وعلى المقيمين به، مغاربة وأجانب.
لابد من الاعتراف بكفاءة هؤلاء الجنود، الذين يعملون ليل نهار على رصد التحركات المشبوهة وتتبع خيوط الشبكات الإرهابية، وضبط أماكنها ومخابئها… معرضين، في بعض الأحيان، حياتهم للخطر، خاصة وأن هذه الشبكات، تظهر في مختلف مناطق المغرب، و تتكاثر وتنمو، بشكل لافت للنظر، وتتوفر على أسلحة فتاكة.
الآن، نحن أمام مشكلة حقيقية، لا يمكن التستر عنها، بمبرر أن المغرب يتوفر على أجهزة أمنية تقوم بواجبها بنجاعة. فبالرغم من هذا المعطى الإيجابي، إلا أن المجهود الموازي، الذي لابد من القيام به، هو النظر في الخلفية الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية، التي توفر هذا العدد الذي لا يستهان به من الأشخاص، القادرين على ارتكاب جرائم القتل والتخريب والترويع، المستعدين للموت، حتى يدخلوا الجنة.
لقد ظل هذا الجانب الهام والاستراتيجي، في مكافحة الإرهاب مغيبا، حيث لم يحصل أي تحرك شامل، لمواجهة الأسباب الثقافية، التي تتيح للمخططين، استقطاب حطب الإرهاب، وتقديمه لقمة سائغة للموت، بمبررات دينية، لاعلاقة لها ب»الإسلام السمح»، الذي تم إغراق ملامحه الحقيقية، في مستنقع الإيديولوجيات الدينية، التي تستغل الدين، لأهداف سياسية، تارة تظهر بمظهر التسامح، وتارة أخرى، بمظهر التشدد، حسب الظرفيات والمصالح والمنافع.
لا يكفي أصحاب مستغلي الدين في السياسة، الإشادة اللفظية ب»الإسلام السمح» أو التنويه بكفاءة الأجهزة الأمنية المغربية، فحتى يكون لهذا الاعتراف معنى فعلي، فإن من واجب مختلف الهيئات السياسية والمدنية، أن تتحمل المسؤولية، في مواجهة هذه الموجة العاتية من الفكر الظلامي المتشدد والمتطرف، لإجتثاث الإرهاب من أصوله ومنابعه.
الاثنين 22 قبراير 2016