من الطبيعي أن يثار النقاش والجدل حول قانون الصحافة والنشر، بعد أن أصبح مشروعا، تقدمت به الحكومة للبرلمان، ليس فقط بين المهنيين، ولكن أيضا من طرف المجتمع، لأن ممارسة حرية التعبير بواسطة الصحافة، ليست مسألة فئوية، بل مجتمعية.
وقد تطورت النظريات، في السنوات الأخيرة، في مقاربة الدور الذي تلعبه الممارسة الصحافية، حيث أصبحت تتبنى مفهوم المسؤولية الاجتماعية، من منطلق أن الصحافة والإعلام، ملكية عمومية، سواء تلك التي تملكها الدولة، أو تلك التي يملكها القطاع الخاص.
فالصحافة تشتغل في حقل مجتمعي، تصنع القيم والأفكار وتوجه الرأي العام، وتؤثر في مختلف فئات المجتمع، ويمكن أن تلعب دورا تربويا إيجابيا، كما يمكنها أن تقوم بأدوار سلبية، تنشر الانحراف، وتشوه الحقائق، وتروج الإشاعة الكاذبة، وتدافع عن التطرف والعنصرية والكراهية…
لذلك، ينبغي أن يوضع نقاش مشروع قانون الصحافة والنشر، في سياقه الحقيقي، فليس من الممكن أن نتصور أن ممارسة الحرية ستتطور بوصفة سحرية، إذا توفر المغرب على قانون ليبرالي، لأن قيام الصحافة بمسؤوليتها الاجتماعية أعمق من ذلك، حيث إن المحيط والظروف اللذين تشتغل فيهما وسائل الإعلام، هما اللذان يحسمان أكثر من أي شيء آخر في كيفية أداء أدوارها.
من بين هذه الشروط، حق الوصول إلى المعلومات والمعطيات، وحماية الصحافيين من القمع والتعسف، حتى يقوموا بعملهم في سلامة وأمان، وينقلوا إلى المواطن الأخبار والصور، بالإضافة إلى الأجواء والشروط السائدة في المؤسسات والمقاولات، و التي تكون حاسمة في كيفية الأداء الرديء أو الجيد، وهذا بدوره يحتاج إلى إرادة جماعية، عمومية وخاصة.
الآن نحن أمام نقاش قانوني/ تقني، مهم وضروري حول هذا المشروع، لكنه ينبغي أن يرقى إلى تمثل الإشكالات المطروحة من أجل ممارسة حرية الصحافة، في إطار المسؤولية الاجتماعية.
ويمكن القول إنه لا يرقى إلى هذا المستوى، لأن فلسفته لم تخرج عن المنطق الذي ساد لحد الآن، في صياغة القوانين، حيث يكون ظاهرها ليبرالي، وجوهرها، غير ذلك، ومن بين الأساليب التي سبق أن استعملتها بلدان مشابهة للمغرب، تقديمُ قانون للصحافة، خال من العقوبات السالبة للحرية، وتحويل المواد الخطيرة، التي تستعمل عادة في متابعة الصحافيين، إلى القانون الجنائي.
لا ينبغي أن نستغرب للأمر، لأن الحكومة لم تدرك ،لحد الآن، جوهر المسؤولية الاجتماعية للصحافة، كمسألة تتطلب إصلاحا شاملا، لا يمكن تجزيئها في نصوص متناقضة، بمنهج تقليدي، لم يخرج عن منهج الحكومات السابقة.

*عن جريدة3

       الجمعة 19 فبراير 2016

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…