منذ إعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية بإسبانيا في 20 دجنبر 2015، تبين بالملموس أن الديمقراطية الإسبانية مقبلة على طي صفحة النموذج السياسي الثنائي القطبية الذي ظل راسخا حوالي أربعين سنة من خلال التناوب على الحكم من طرف الحزبين الرئيسيين، الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني والحزب الشعبي اليميني.. لقد مرت شهران، تقريبا، والمفاوضات المعقدة ما زالت جارية بين الفرقاء الرئيسيين من أجل التوافق حول ائتلاف حكومي قادر على قيادة البلاد في المرحلة الراهنة، وعندما تبين وجود إجماع واسع لمنع الحزب الشعبي المتصدر للانتخابات من العودة الى الحكم، بادر الملك إلى تكليف الزعيم الاشتراكي الشاب بيدرو سانتشيس بالشروع في المفاوضات لتشكيل الحكومة.
هذه المفاوضات التي استغرقت أكثر من اللازم وبدأت تداعياتها تقلقل الأوساط المالية في البلاد وأصحاب القرار في المفوضية الأوروبية، يتعين أن تسائلنا نحن أيضا كفاعلين سياسيين ورأي عام وطني في المغرب، ذلك أن حزب بوديموس المعروف بمواقفه المعادية للوحدة الترابية المغربية، بات يشكل رقما أساسيا في كل السيناريوهات المحتملة لتنصيب الزعيم الاشتراكي بيدرو سانتشيس رئيسا للحكومة المقبلة.. وذلك ليس فقط لأن بابلو اغليسياس زعبم بوديموس يشترط أن يتولى منصب نائب رئيس الحكومة، ولكن، وبالدرجة الأولى، لأن البرنامج الانتخابي لحزبه يتضمن فقرة خاصة عن قضية الصحراء المغربية. فاذا تركنا جانبا شعار “التمسك بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره” الذي يشكل قاسما مشتركا بين كافة الأحزاب الاسبانية، فإننا نجد اختراقا جديدا في الموقف التقليدي العام من هذا النزاع المفتعل، حيث يتعهد حزب بوديموس في حال وصوله إلى الحكم بالعمل من أجل “تعيين ممثل خاص للاتحاد الأوروبي مكلف بالصحراء الغربية” يتولى التتبع المنتظم لمسار حل النزاع على الصعيد الأوروبي. كما يتعهد بوديموس بالسعي إلى توسيع صلاحية المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، فضلا عن مراجعة الإطار العام للمساعي الأممية بما يمكن مجلس الامن من فرض العقوبات على الطرف الذي يعرقل هذه المساعي، إضافة إلى منح الجنسية الإسبانية للصحراويين المقيمين فوق التراب الإسباني، وإجراءات أخرى تمضي كلها في اتجاه تعزيز الاطروحة الانفصالية وتأجيج العداء للوحدة الترابية المغربية.
خلاصة هذه الورقة أن وصول بوديموس إلى الحكم في المملكة الإسبانية سيشكل معطى أساسيا في مراجعة أوراق الدبلوماسية المغربية في اتجاه الجارة الإسبانية، وذلك على اعتبار أن المواقف العدائية لبوديموس وإكراهات التحالف الحكومي بقيادة الاشتراكيين، ستخلط الكثير من أوراق الجوار الصعب، وقد تعيد عقارب ساعته إلى الصفر.