هناك جدل قائم بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعدد من المنظمات الحقوقية، بخصوص إغلاق ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ينطلق من التساؤل حول ماذا تحقق حتى يتم تبرير طي صفحة الماضي؟ الجدل مهم جدا والخلاف مشروع، لأن الأمر يتعلق بفترة حرجة من تاريخ المغرب، لا يمكن إغلاقها بقرار، مهما كانت المؤسسة التي تقف وراءه، دون أن يحصل توافق وطني شامل، على ذلك.
لذلك وجب إخضاع ما أنجز لحد الآن، للتقييم، بمساهمة كل الأطراف المعنية، إذ لا يمكن أن تتم هذه العملية بشكل أحادي، حتى من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لعدة أسباب، أولها، أن الملف يتجاوز كل الهيئات، لأنه ملك للضحايا وللشعب المغربي وللإنسانية، ولا يمكن لأي طرف أن يدعي امتلاكه و احتكاره أو التحكم في مساره، ثانيها، إن الفترة، موضوع الانتهاكات الجسيمة، امتدت لأكثر من أربعين سنة، شهدت الأهوال، من اختفاء قسري، ومقابر جماعية واغتيالات سياسية ومعتقلات سرية وتعذيب ومحاكمات صورية… و لا يمكن الجزم بأن ما تم كشفه لحد الآن، يعكس الحقيقة كلها، ثالثها، أن الأمر لا يتعلق بممارسات منعزلة لأجهزة قمعية، بل بسياسة ممنهجة، قادتها الدولة للقضاء على المعارضين.
المسألة الأساسية التي ينبغي تسجيلها في ملف الانتهاكات الجسيمة، هي الإرادة السياسية للدولة من أجل معالجته، وهو أمر إيجابي، وسابقة متميزة، في المحيط العربي والإفريقي، بل وفي العالم، حيث إن هناك عددا قليلا من البلدان، التي نهجت مسار العدالة الانتقالية، من بينها جنوب إفريقيا، وبعض بلدان أمريكا اللاتينية، و بلدان أخرى قليلة… حيث طوت ملف الماضي، بلدان عاشت في ظل أنظمة ديكتاتورية، مثل إسبانيا، دون العودة إليه، لتجاوز الجراح التي خلفتها الحرب الأهلية، من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي، بمساهمة الجميع، رغم أن هناك أصواتا أخذت ترتفع في السنوات الأخيرة، مطالبة بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها نظام فرانكو.
بين العدالة والإنصاف وجبر الضرر، وبين الكشف عن الحقيقة كلها ومتابعة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة وإحداث قطيعة مع النظام السابق، هناك جدل قائم، يكتسي أهمية بالغة، ويكتسب مشروعية كاملة، لأن من حق الضحايا أن يواصلوا فتح الملف، ومن حق المنظمات الحقوقية أن تطالب بالسير إلى أبعد مما كان، ومن واجب الدولة أن تستمر في منهجية الحوار والتشاور والإقناع.
*عمود بالفصيح
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
السبت 13 فبراير 2016