يمكن اعتبار التعليمات الملكية الصادرة للحكومة، في المجلس الوزاري الأخير، من أجل «مراجعة مناهج وبرامج تدريس التربية الدينية، في مختلف مستويات التعليم المغربي، بغرض تكريس التسامح والاعتدال»، ثورة حقيقية، غير مسبوقة، في ميدان يتسم بحساسية بالغة.
وقد جاءت هذه التعليمات، في ظرفية دقيقة وحاسمة، حيث تؤكد كل المعطيات، أن هناك ضرورة حقيقية، لمواجهة التطرف، والنظرة المغرقة في الرجعية والظلامية، التي تنشرها التيارات المتشددة، المتأثرة بالوهابية، على الخصوص، والتي تمكنت من اختراق فئات من الشباب المغربي، في تناقض تام مع ما أسماه البلاغ الرسمي «القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية.»
ومن المعلوم أن المناهج الحالية للتربية الدينية، تم وضعها قبل سنوات، بشكل مرتجل وشبه عشوائي، هدفها تلقين معلومات، دون تصور منهجي واضح لما ينبغي أن يتلقاه الأطفال والشباب، عن القراءة الراقية للدين الإسلامي والتراث الثقافي المتقدم، المرتبط به، والذي تجلى في حضارة انفتحت على كل عطاءات البشرية، وساهمت فيها، ولم تنجح في ذلك لأنها كانت منعزلة ومنغلقة ومتزمتة، بل لأنها كانت حية ومنفتحة وقابلة للتلاقح.
بل أكثر من ذلك، فإن المناهج الحالية، اكتفت بترديد نصوص ومحفوظات، دون إخضاعها للقراءات العلمية، التي تتطور باستمرار، على ضوء التقدم الحاصل في كل أصناف العلوم والتخصصات، ودون اجتهاد حقيقي، يأخذ بعين الاعتبار التأويلات المتعددة، التي يزخر بها التراث الديني نفسه. لقد ظلت القراءة أحادية، منغلقة، استبعدت الاجتهادات، كما استبعدت التصوف وغيره من مدارس الثقافة الدينية، وظلت تقليدية، إلى حد المَلَل.
لذلك يحتاج أمر المراجعة، إلى مجهود علمي كبير، لن يكون سهلا، لأنه يتطلب دراية وكفاءة وشجاعة، خاصة وأن هناك من سيقاوم التغيير، لأن وجوده يكتسب شرعيته من الانغلاق والتزمت، وترهيب الناس من العقلانية والتحديث. كما يحتاج التغيير تكوينا جديدا، للمعلمين والأساتذة، الذين سيكون عليهم الاجتهاد أكثر، من أجل إخراج التربية الدينية، من وضعها الحالي، الشبيه بحكايات عذاب القبر، إلى فضاءات أرحب من القيم الأخلاقية الإنسانية.
*عمود بالفصيح
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الثلاثاء 9 فبراير 2016