يقول تعالى : ((…لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً (*) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً (*) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (*)..)) سورة النساء
لايسعنا الا ان نقول …اذا كانت العلوم الشرعية والوضعية تفتح ابواب المعرفة الروحية والنفسية , الفكرية والمادية وتجعل الانسان يتوسع في الاكتشافات والتطور العلمي في كل المجالات ويبدع بتجديد وتحديث الفهم والوعي …فانه من المفترض عقلا ومنطقا ودينا ان تكون البشرية قد وصلت الى مرحلة تجاوزت فيها كل مظاهر التخلف الفكري وتجليات الجهالة في السلوك والافعال والسياسات والكتابات والتصريحات التي تملا فضاءات بلداننا …
…ورغم اننا في القرن 21 فلازلنا نرى البعض _ من المسلمين هيئات وطوائف وحتى ” اشخاص منفردون ” بمناسبة او بدونها _ وقد نصبوا انفسهم بصيغة المفرد والجماعة خصما وحكما يمررون ويفرضون اراءهم بما يوافق مزاجهم و سوداوية نظرتهم الظالمة التي تتجاوز كل حدود التطاول ليس على اختصاصات المؤسسات الرسمية والمدنية ..بل يبلغ بهم الانحراف ان يتخيلوا انفسهم حراسا على ابواب الجنة وجهنم يدونون “محاضرهم” بالادانة او التزكية كما يعن لهم وكانهم شقوا قلوب الناس وتعرفوا على ما لايعلمه الا الله ..بل منهم من يدعي انه يعلم بالنوايا حتى وان لم يعلن عنها بافعال واقوال ..وان الصحيح حسب ظنهم هو ما يقررونه ويروه.. وان الباطل هو ما اعتبروه كذلك .. فيبيحون لانفسهم باسم الدين كل مانهى عنه الله في كل الرسالات السماوية وخاصة في مجال الاعتقاد و الايمان واباحة سفك الدماء واستعباد الناس ..بمبرر انهم يسعون لبناء دولة الخلافة او الامة الاسلامية ونصرة الله..
... ولقد ورد في سبب نزول الاية التي افتتحنا بها هذه المقالة أن المسلمين و اليهود والنصارى دخلوا في نقاش وجدل…فكل مجموعة تعتبر نفسها الافضل وانها من ستدخل الجنة …فاجيبوا جميعا بان الامر ليس بالاماني والرغبات …وان الله هو الذي يجازي من اتبع الهدى ومن ضل وخالف ..وان المتمنيات المعبر عنها لاتعتبر مرجعا لتقييم عمل الناس والحكم عليهم .. بل بالسعي والعمل والنية الحسنة ..
..وقياسا على هذا يمكن القول ..ان كل الامور ليست بالتمني او التفاؤل المفرط او التكذيب والطعن في كل الاراء والمواقف لترجيح راي ما بتجميل الكلام عنه وتبريره بالتأويل السياسوي المجانب للصدقية والحق ..
قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” سورة الزلزلة
..فهناك من يريد ايهام الناس بانه هو الممثل الوحيد للحقيقة الايمانية الالهية بادعاء الخلافة والسعى للمبايعة , او بادعاء ان سعيه للحكم هو طريق للوصول لاقامة دولة الخلافة ..او يقدمون انفسهم بانهم هم من يضمن للبلد الامن والاستقرار غرورا وادعاء وتضليلا …….والحال ان النبي (ص) لم يوص اصحابه ولا النخبة القوية انذاك بمن سيخلفه في الحكم وترك الامر ليدبر بما يتلاءم وكل مرحلة وظروفها ومعطياتها …وحتى تسمية ابي بكر بالخليفة فهي اجتهاد تلك اللحظة لتدبير امور الدولة الاسلامية الفتية ..وبعده تولي سيدنا عمر الحكم بطريقة التوصية فسمي اميرا للمومنين بدل خليفة ..الخ
…أن اساس الايمان عند البعض يرتكز على معاداة الاخرين وهو من صميم اثبات ولائهم وغيرتهم الدينية كما يروجون ..فمنهم من يسعى لتحويل ” الإسلام / المذهب ” إلى آلة ووسيلة للتحكم …فالشيعة ..والسلفية الوهابية او الداعشية او القاعدية ..الخ …كل توجه منهم يدعي انه الاحق ليحكم باسم الله وان فقهاءهم هم المرجع لاختيار الخليفة او الامير نيابة عن عامة الشعب رجالا ونساءا ..وان اراءهم هي عين الحقيقة والمالكة لقرار دخول الجنة ..ففسروا النصوص واولوها لتلائم هواهم ومبتغاهم التحكمي …
..ان الايمان والعمل الصالحين يتجسدان ويتجليان في العلاقات الانسانية وفي كل ما تقوم به الحياة وتتطور بتوازن وعدل وتسامح و تكافؤ الفرص واحترام الاراء الاخرى وتنظيم الاختلاف والتخلي الواعي عن الكراهية والحقد والسياسات الاستئصالية …اما ادعاء اي كان امتلاك الحقيقة المطلقة والبديل الوحيد ..والاعتقاد المهووس بان ايمان الغير بها يكون حتى بالاخضاع والتهديد وان المبايعة تقام بالخضوع وبالاكراه ..فضرب من التحريف والتلفيق والجهل ..
ان الانبياء ومنهم خاتمهم صلوات الله عليهم جميعا لم يكرهوا قط ايا كان على الايمان بهم ولا الخضوع لارادتهم …
ان حقيقة ارتباطنا بديننا تقوم على ايماننا بالقيم النبيلة الانسانية والفكرية …وايماننا بالرسالة المحمدية والانبياء والرسالات السابقة …كما يقوم على احترامنا للمشترك والمختلف فيه داخل المجتمع … مع العمل والسعي من اجل الاصلاح والتغيير لتقوية البناء الديموقراطي والعدالة بمختلف تجلياتها …
يقول تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) سورة البقرة
فلينتبه الجميع الى ما يهيأ في السر ويتكشف بعضه في العلن من رغبة جامحة تتحين كل الفرص لاختطاف امتنا باختطاف ديننا واحتكاره لفائدة “اصحاب المذهب ” ومصالحهم المحققة لاستمرار تحكمهم ..
ان من سهل للغرب والشرق الاستعماريين بسط نفوذهم وهيمنتهم على العالم العربي والاسلامي هم البعض من امثال الذين وظفوا باسم وبمبرر الجهاد لمحاربة روسيا مرات وامريكا مرات اخرى ..فاضعاف وتمزيق دول افغانستان والعراق ثم سوريا فاليمن وليبيا ..الخ ؟؟..ليس بريئا ولاصدفة ..بل امر مدبر ومحكم ومبني على التواطؤ والمصالح ..فليحذر الباقون هؤلاء وهؤلاء.
*الاربعاء 20 أبريل 2016