من بين أهم الإشكالات التي يجب على الدولة أن تنكب على معالجتها، مسألةُ العزوف الانتخابي، الذي يشوّه كل العملية الديمقراطية، إذ أن عدد المصوتين في كل الاستحقاقات لا يتجاوز ثلث المواطنات والمواطنين، الذين يحق لهم التصويت، بالإضافة إلى حوالي نصف المسجلين في اللوائح الانتخابية، الذين يمتنعون عن التصويت، لأسباب متعددة.
هذه إشكالية جوهرية في المسار الديمقراطي، تتطلب وضع برنامج مستعجل، واتخاذ كافة التدابير والإصلاحات الضرورية، لتسهيل مساهمة الجسم الناخب في الاستحقاقات المقبلة، بشكل يمنح مصداقية أكبر للتمثيلية البرلمانية، وبعدها للتشكيلة الحكومية.
و قد حان الوقت، في اعتقادنا، ليطرح الجميع، الحكومة قبل أحزاب المعارضة، التساؤلَ حول الأسباب العميقة التي تؤدي إلى نفور ثلثي الجسم الناخب من المشاركة في الاستحقاقات، سواء بعدم الاهتمام في التسجيل في اللوائح الانتخابية، أو بعدم الذهاب يوم الاقتراع للتصويت، ناهيك عن عدد الأصوات الملغاة والتي تتراوح بين ثمانمِئة ألف و أكثر من مليون، في كل الاستحقاقات الأخيرة.
لا يمكن الشروع في مناقشة جدية للانتخابات التشريعية المقبلة، التي ستتشكل بموجبها حكومة لمدة خمس سنوات، في ظل هذا العطب الجوهري، الذي يجعل الحزب الأول لا تتجاوز تمثيليته، في أحسن الأحوال، أكثر من 13 في المِئة من المسجلين في اللوائح، و تتقلص هذه النسبة إلى حوالي النصف، إذا ما قارناها بعدد الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات.
نحن أمام تمثيلية ضعيفة، لكل الأحزاب، بسبب عدم معالجة إشكالات تعميم التسجيل في اللوائح، والعزوف عن التصويت، وهذه مسائلُ ليست تقنية بحتَة، بل تتضمن قضايا سياسية جوهرية، في صميم النموذج الديمقراطي المغربي، الذي لم ينجح ، لحد الآن، في تجاوز هذه الأعطاب، بالإضافة إلى أعطاب أخرى، من قبيل التقطيع والقوائم الانتخابية، التي لا هي بالفردية ولا بالجماعية، و عدد آخر من القضايا التي تتطلب المعالجة المستعجلة، مثل محاربة التزوير والرشوة الانتخابية.
ولدى الجميع -الآن- فرصةُ إعادة النظر الشمولية في المنظومة الانتخابية، التي تتطلب إصلاحا حقيقيا، في إطار الإصلاح الديمقراطي، الذي كان من المفترض أن يكون متقدما اليوم، بعد الدستور الجديد.
*عمود بالفصيح
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الخميس 4 فبراير 2016