تقدم الأخ إدريس لشگر الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي بورقة – نداء “نحــــو عــــــرض يســـــــــاري بــديـــــــل” من أجل تجميع اليسار . النداء ، على أهميته ، يطرح سؤالا عريضا بالنسبة لي :

هل إشكالية اليسار تنظيمية فقط ؟؛ وهل الأزمة في التشتت أم أن الأزمة هي مصدر التشتت والهوان ؟. هل ضعف تأثيرنا السياسي والانتخابي هو فقط نتيجة للتفرقة ؟ .

إن الطرح الخاطئ للإشكالية يغلق الأبواب أمام الحلول ويمنع أي إمكانية لاستعادة مكانة اليسار السياسي المنظم داخل المجتمع ، رغم وجود فئات عديدة تحمل ، بل تُمارس ، قيم اليسار .

في رأيي أزمة اليسار إيديولوجية ، فكرية ، قبل أي شيء . تجربة التناوب التوافقي ، اللاديمقراطي، لم ينظر لها . كل الايجابيات ، ضمان الاستقرار ، تحقيق مكتسبات حقوقية واجتماعية ،لا يمكنها أن تحجب حقيقة أن اليسار تماهى مع الدولة العميقة وقوى المحافظة ولم يحسّن التواصل مع مسانديه لتبرير سياساته .

التأثير الاول هو الهزيمة الأيديولوجية على مستوى المنظومة الاقتصادية – الاجتماعية فأصبحت الليبرالية من المسلمات الدوغماتية والتعامل مع الاشكالات المجتمعية من منطلقات الخصوصية لا الكونية ” ضرورة ” . إن عودة اليسار لن تكون ممكنة إلا بإعادة تسليحه فكريا ، إنطلاقا من هويته الحقيقية و ليس المشوهة بتغليب التكتيكات والحسابات السياسوية على المبادئ والاختيارات الأصلية .

واقع الحال أن قطبية يتم تسويخها قسراً وهي قطبية بين المحافظين البيجيدي والاستقلال وخليط “ليبرالي ” سياسيا مرتبط بمراكز التحكم . الاثنان متفقان على نمط ليبرالي متوحش ، يسعى إلى نمط تنموي قوامه إضعاف دور الدولة وترك السوق حراً دون مراعاة لمعانات الطبقات الطبقات الشعبية ولا لمبدأ المساواة .
طبقياً، والصراع الطبقي حقيقة لا ينفيها إنهيار جدار برلين ، الاثنان يعبران عن نفس المصالح . الاختيار الموضوع حاليا ، الاصطفاف وراء أحد القطبين قاتل ، وسيكون آخر مسمار في نعش التنظيمات اليسارية ، لا في فكر اليسار وقيمه .

الوحدة اليسارية الممكنة : عليها أولا إعادة صياغة مشروع يمكن تلخيصه في بعض النقاط .

*دور الدولة في تحقيق التضامن عبر الخدمات العمومية ؛ التعليم ، الصحة ، النقل ، الماء والكهرباء ، الخ . خصومنا ، أعداؤنا الطبقيين يريدون خوصصة كل القطاعات . فبنكيران أعلن إفلاس الصحة العمومية والتعليم وضرورة خوصصتهما . في الآن ذاته مجلس جطو أثبت فشل التدبير المفوض في القطاعات الاخرى، بل المشروع التنموي الليبرالي وصل مداه ولم يعد قادرًا على تحقيق معدلات التنمية التي كان يُلمّع بها صورته . والواقع أن هاته المعدلات لم تحسن سوق الشغل وتركت ستة ملايين من المغاربة في وضعية الهشاشة الرهيبة والمهينة ، فما المنتظر بعد تراجعها ؟ فعلى اليسار إنتاج مشروع بديل للتنمية ، تكون فيه الدولة فاعلاً أساسيا ً، لا ” مسهّلاً ” للربح ، عن طريق الريع ، ويجعل من التنمية البشرية الهدف الاسمى . ويمكننا الاستفادة من تجارب أمريكا اللاتينية ، دون إستنساخها ، في هذا الإطار .
* المساواة بكل أوجهها ، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي . فقضية المرأة رمزية بشكل قوي . إن تلخيصها في كسألة المناصفة ( وأعتبره مبدأ جيداً تم تحويله الى ريع سياسي) خطأ جسيم . فقضايا مثل التعليم ، صحة الإنجاب ، التعنيف ، زواج القاصرات ، الارث ، هي قضايا أهم من المناصفة لأنها مدخل معظم المواطنات نحو الكرامة . هناك جمعيات نسائية تشتغل على هاته المضامين ، ما هو دور مناضلات اليسار في تأطيرها ؟ لا شيء يذكر .
* الدفاع عن الحريات الفردية من منطلق الكونية ، لا من منطلقات تبريرية تسلم يدور الدين في صياغة القوانين الوضعية . فلا حداثة ولا تحديث” للدولة والمجتمع ” بدون بزوغ الفرد .

الطرح الواضح لمطلب الملكية البرلمانية كأفق نضالي ، يبدأ باستغلال أقصى ما يمكن من مكتسبات دستور 2011 , والتعبئة ضد كل التراجعات .

إن مشروعا مثل هذا سيمكن التعبيرات السياسية اليسار ، من خلال نضالات مشتركة ، تعبئ القوى الشعبية ، أن تخلق شروط الوحدة ؛ أما الوحدة الفوقية وحدة الأجهزة ، وإن تحققت رغم صعوبتها ، فلا تسمن ولا تغني من جوع …

ما الإضافة التي قدمتها عودة حزبين للاتحاد الاشتراكي وهل نتائج فيدرالية اليسار مشجعة ؟

هاته أفكار اطمح أن تسمح بنقاش أخوي مفيد ، يكون بحجم وجع الهم الذي يحمله كل واحد فينا . أما المسائل التنظيمية وشخصنتها فلا تهمني لأنني أعتبرها جزءاً من الأزمة وليست سبباً ، وبأنني لست من الطامحين إلى أي مركز ، طموح يحرك للأسف الكثير من المناضلين في حروبهم التي لا تحمل أي خلاف سياسي أو فكري ، اإلا المطامع الريعية .

*عن صفحة الفيس بوك الخاصة ب جمال براوي

  الجمعة 29 يناير 2016

‫شاهد أيضًا‬

ماجد الغرباوي: إشكالية النهضة ورهان تقوية الشعور الهوياتي العقلاني لدى العربي المسلم * الحسين بوخرطة

الدكتور ماجد الغرباوي، مدير مجلة المثقف الإلكترونية، غني عن التعريف. كتاباته الرصينة شكلت …