تجتاز إسبانيا، هذه الأسابيع، واحدة من أكبر أزماتها السياسية، بشكل غير مسبوق منذ سنة 1975. ذلك، أنه منذ عودة المسلسل الديمقراطي بعد وفاة الجنرال فرانكو، وزوال الديكتاتورية العسكرية بمدريد، لم يشهد الإسبان مأزقا سياسيا مماثلا، بالشكل الذي يؤكد أن جيراننا الإيبيريين، يدخلون مرحلة انعطافة أكبر من أنها مجرد انعطافة سياسية، أو أزمة حكومية، بل هي في العمق انعطافة جيلية وانعطافة اجتماعية، بذات القوة التي عاشها جيل أواسط السبعينيات، الجيل المؤسس للديمقراطية الإسبانية.
إن الحزبين الجديدين هناك، “بوديموس” و”سيودادنوس”، لم يضعا فقط نقطة النهاية لاحتكار الحزبين التقليديين (الحزب الشعبي اليميني، والحزب العمالي الاشتراكي) للمشهد السياسي انتخابيا، بل دشنا لميلاد جيل سياسي جديد، وخطاب سياسي جديد، بل لملامح تبلور مشروع مجتمعي جديد، مشروع أكثر إسبانية، منه أوروبية، وأكثر راديكالية، إما في اتجاه اليسار أو في الاتجاه الليبرالي لليمين. وهي الخريطة السوسيو سياسية، التي تعنينا في ضفتنا المغربية بشكل كبير، لأن علاقتنا مع جيراننا الشماليين، الإييبريين، هي علاقات استراتيجية على أكثر من صعيد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وان كل تحول هناك، نكون أول من ستقع عليه نتائجه، مما يطرح السؤال جديا، حول مدى إدراك مؤسساتنا الرسمية لذلك، ومدى استيعابها لتلك التحولات، وأساسا مدى انخراطها في ربط الصلة بكل أطياف هذا التحول السياسي الجيلي الجديد بمدريد.
إن مصلحتنا القومية العليا مغربيا، تلزمنا بضرورة أن نكون مستوعبين للتحول الإسباني، وأن نكون منخرطين فيه. مبادرين، بمنطق مصلحة الدولة، وبمنطق الدفاع عن مصالحنا الحيوية، لربط جسور التواصل مع كل أطراف المشهد السياسي الإسباني الجديد، وأن نكون مدركين، حكوميا وبرلمانيا ومؤسساتيا، أن العلاقة مع جيراننا الحيويين هؤلاء، يجب أن تكون مندرجة في خانة حاجتنا الملحة اليوم إلى إعادة موضعة علاقتنا مع الجنوب الأوروبي كله، من اليونان حتى البرتغال، مرورا بدول البلقان وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، ضمن منطق التحولات الاجتماعية والجيلية والمشاريعية التي تتبلورهناك سياسيا واجتماعيا، وأن يكون حضورنا ضمن تلك التحولات، غايته حماية حقوقنا التاريخية المشروعة على مستوى وحدتنا الترابية، وأيضا على مستوى حقوق مهاجرينا المغاربة، وأيضا على مستوى حقوقنا التنموية والأمنية.
إسبانيا، تتحول، وعلينا أن نعدل من زوايا رؤيتنا للمنطق الذي يحكم علاقتنا بها، بما يعزز من عمق جوارنا بغرب البحرالأبيض المتوسط، وأن لا نكون أبدا غائبين عن تلك التحولات، وأن ذلك لا يمكن أن يتحقق سوى باستيعاب لطبيعة الخطاب السياسي الجديد، الذي بدأ يفرض ذاته هناك، بأن نكون متصالحين مع الشروط الاجتماعية والثقافية والسياسية، التي بلورته، حتى لا نكون الخاسرين فيه على مستوى مصالحنا الحيوية. ويحق لنا هنا، التساؤل، ما هي أشكال التواصل التي خلقناها مع حركتين سياسيتين، مثل حركة بوديموس وحركة سيودادنوس ؟ ما هي أشكال التواصل مع أقطابهما في كافة مجالات اشتغالهما، سواء على مستوى العمل الحزبي المحض، أو على المستوى الشبابي والجمعوي، أو على المستوى الجامعي والإعلامي؟
إنه علينا، أن نقتنع بأن الأسلوب الكلاسيكي للتواصل مع جيراننا الإسبان، قد تغير، وأن علينا إلزاما، إعادة موضعة شكل علاقتنا معهم، تأسيسا على أجندة التحولات المعتملة هناك، التي هي تحولات عميقة في المجتمع الإسباني، بذات الشكل الذي حدث بعد رحيل الجنرال فرانكو وسقوط الديكتاتورية العسكرية.

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

     الاربعاء 27 يناير 2016

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…