مــن الأستاذ محمد الهيني
نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة
إلــى السيد مقرر وزير العدل والحريات: الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء
تحت إشراف السيد وزير العدل والحريات
الموضوع :مذكرة كتابية بشأن تقديم دفع بتجريحكم وطلب تنحيكم عن نظر التحقيق .
المرجـــــــــع :كتابكم موضوع الملف عدد 768/3110/2015
سلام تام بوجود مولانا الإمام
وبعد، فتبعا للموضوع والمرجع المشار إليهما أعلاه، والمتعلق باستدعائي الباطل قانونا للحضور بمكتبكم يوم 31/12/2015 للاستماع لي بشأن المخالفة التأديبية المزعومة، يشرفني أن أثير دفعا بتجريحكم عن نظر التحقيق في ملفي التأديبي طالبا تنحيتكم لسبق إصداري ضمن الهيئة القضائية التي كنت أعمل بها بالمحكمة الإدارية بالرباط بصفتي رئيسا ومقررا حكما في الملف عدد 613-12-2013صادر بتاريخ 25/7/2013 يقضي بتحميلكم المسؤولية الادارية عن الخطأ القضائي المتمثل في عدم إحضار متهم لعدة جلسات بصفتكم وكيلا للملك بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء أنذاك.
وحيث مما جاء في حيثيات الحكم المذكور الذي لا بأس من تذكيركم به ” مسؤولية النيابة العامة عن الخطأ القضائي في الإشراف على الشرطة القضائية المتمثل في عدم تنفيذ مقرر المحكمة الزجرية بإحضار المتابعين لجلسة المحاكمة –الإخلال بقواعد المحاكمة العادلة الدستورية والقانونية الوطنية والدولية -خطأ جسيم—قد يرقى إلى معاملة مهينة –تعويض
“إن تقصير النيابة العامة في الرقابة على الشرطة القضائية بإلزامها على تنفيذ الإجراءات القضائية بإحضار المتابعين أمام المحكمة الزجرية،وتحريك الوسائل القانونية في مواجهتها تدعيما لمبدأ المحاسبة والمسؤولية وتطبيقا للفصول 18 و 37 و 40 و 45 و 364 من قانون المسطرة الجنائية، وعدم تدارك الخطأ،رغم الطلب المتكرر للدفاع والمحكمة لعدة جلسات، بشكل أصبح التأخير وتأجيل المحاكمة
أمرا اعتياديا لا لبس فيه، يرتب مسؤولية النيابة العامة عن الخلل في سير مرفق القضاء وعرقلة نشاطه المعتبر خطأ جسيما، مما جعل صورة المرفق والثقة فيه تتضرر من كثرة التّأجيلات وعبثية إجراءات المحاكمة التي لم يجدى منها شيء للإخلال بجميع مبادئ المحاكمة العادلة في جميع صورها ( المادتين 23 و 120 من الدستور)ولاسيما قرينة البراءة ومبدّأ المحاكمة في أجل معقول، و احترام كرامة الأشخاص المتابعين وحرياتهم، و الولوج السهل والسريع والشفاف للعدالة، و هيبة القضاء والدفاع ورجاله إن لم يكن المساس بسمو القانون نفسه وما يفرضه من مستلزمات جودة الخدمة القضائية التي أساسها احترام حقوق وحريات المواطن كان متابعا أو ضحية، وضمان الأمن القانوني والقضائي.
إن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة أوجبت على السلطة القضائية صيانة مبادئ المحاكمة العادلة وصونها وعلى أساسها احترام كرامة المتابعين والابتعاد عن مظاهر المعاملة الاإنسانية أو المهينة ( المادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،المادتين 7 و 14 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية، المادتين 1 و 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب ومختلف ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة المهينة
– إن عدم تنفيذ النيابة العامة لمقرر المحكمة بإحضار المتابعين لجلسات المحكمة بالمخالفة للأسس الدستورية والقانونية الوطنية والدولية ألحق ضررا مباشرا ماديا ومعنويا للمدعي تمثل في تفويت فرصة المحاكمة العادلة عليه وبقائه أكثر من سنة بدون محاكمة في حالة “اعتقال احتياطي” غير مبرر مس بمبدأ قرينة البراءة وبحريته، وما سببه ذلك من آثر نفسي ومعاناة وألم من جراء هذه الإجراءات، وتحملات مادية عن مصاريف الدفاع، فقد أرتأت المحكمة تبعا لسلطتها التقديرية في تحديد التعويض المناسب لجبر الأضرار
-طلب نشر الحكم يندرج في إطار الحق في المعلومة المكرس في الفصل 27 من الدستور،ولا يتوقف على أمر قضائي لأنه من الحقوق العامة باعتباره آلية للرقابة الشعبية على العمل القضائي، ومصدر للثقة في عمل القضاة وتقويمه لضمان الأمن القانوني والقضائي”.
وحيث ينص الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية على أنه :”يمكن تجريح كل قاض..:
-إذا كانت هناك دعوى ….
– إذا … كان طرفا في النزاع ..
– إذا وجدت علاقة تبعية بين القاضي … و بين أحد الأطراف …
– إذا وجدت صداقة أو عداوة مشهورة بين القاضي واحد الأطراف….”
وحيث ينص الفصل 298 من نفس القانون على أنه “يجب على كل قاض يعلم بوجود أحد أسباب التجريح المعددة في الفصل 295 أو أي سبب آخر لتنحيته بينه و بين أحد الأطراف أن يصرح بذلك “لجهة التعيين “.
وحيث إن امتناع القاضي عن إثارة سبب تجريحه التلقائي يعرضه للمتابعة التأديبية .
وحيث إن قواعد التجريح وضعت لرفع كل سبب يقدح في حياد القاضي وتجرده واستقلاله أو يجعل إجراءات تحقيقه أو حكمه محل شك وارتياب بشكل يفقد الثقة في القضاء وعدله، لأن القاضي يجب أن يكون خالي الدهن صافي السريرة من أحكام مسبقة أو وقائع مما قد يشوب ضميره في تنزيل حكم القانون بنزاهة وعدل ومسؤولية.
وحيث إن صدور حكم ضد القاضي المقرر بصفته رئيسا لمرفق النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء من طرف قاض موضوع المتابعة والتحقيق يجعل جل أسباب التجريح الواردة في الفصل 295 من ق.م.م متوافرة،فكيف سيتولى التحقيق بحياد ونزاهة وتجرد واستقلالية من حكم عليه القاضي بعدما كان مدعيا عليه في دعوى المسؤولية الادارية أمامه ؟
وحيث إن من دواعي التجريح والثابتة ثبوتا قطعيا فضلا عما ذكر هو مخالفة السيد القاضي المقرر لأبسط قواعد المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع المكرسة دستوريا ودوليا للمواطنين والقضاة .
وحيث إن السيد المقرر لم يحترم أجل الاستدعاء المحدد في 15 يوما في كل استدعاءاته، وكان همه الأكبر هو تسريع المسطرة لغاية يعلمها هو فقط ورئيسه، وليس فعالية إجراءات التحقيق بعدل وحياد ونزاهة واستقلالية، فمن استدعاء في أجل يقل عن 24 ساعة إلى استدعاء لا يتجاوز 3أيام إلى استدعاء باطل قانونا جاء متأخرا عن ساعته بنحو ساعة، إذ بلغ على الساعة العاشرة صباحا للانتقال في نفس اليوم من القنيطرة للبيضاء على الساعة التاسعة صباحا من نفس اليوم؟؟؟؟ والقاضي عائد في يومه الأول من المرض؟؟؟؟؟ ودون أن يتم إيداع الملف التأديبي للاطلاع عليه وأخذ نسخة منه قبل الاستماع على الأقل بمدة معقولة لا تقل عن خمسة عشر يوما، والأدهى والأخطر هو ادعاء غير الحقيقة ،في أول سابقة قضائية خطيرة، بأن القاضي المتابع لم يحضر رغم التوصل الشخصي ،فهل الاستدعاء الذي جاء خارجا عن أجله بسبب خطأ المقرر وتفويت الأجل ينهض مبررا لاعتباره صحيحا، وهو ما لم يستطع أن يقول به أي قاض بالمملكة،لأن مقتضيات النزاهة والضمير والعدل تفترض تحكيم القانون.
وحيث إن المقرر رفض بدون تعليل وبشكل تحكمي جميع طلبات القاضي المتابع فمن رفض تسجيل تنصيب الدفاع المتكون من قضاة ومحامين إلى رفض مجرد إلقاء النظرة عن الشكاية وتسليم نسخة منها ومعرفة المشتكين، وموضوع الشكاية، كما تم رفض طلب استدعاء المشتكين وإجراء أي مواجهة معهم، ناهيك عن عدم تحرير أي محضر لجلسة الاستماع الأولى يوثق عملياتها وماراج بها تكسبه الصبغة الرسمية والوثوقية عند المنازعة في مضمنه .
وحيث إن المقرر عين للتحقيق في القضية وليس الاستماع للقاضي فقط مما جعله مقرر وزير العدل المكلف بالاستماع وليس التحقيق في القضية، ناهيك عن أنه حدد أجل انتهاء التحقيق وفقا لتعليمات وزير العدل قبل 17 دجنبر الجاري بشكل مخالف للقانون، لأن الأجل تفرضه طبيعة الأبحات والتحقيقات الجدية المحترمة لمبادئ المحاكمة العادلة وليس الأهواء والرغبات الشخصية.
وحيث إن القاضي المتابع سأل القاضي المقرر عن مفهوم التحفظ والإدلاء بالرأي الذي يكتسي صبغة سياسية للإجابة عن أسئلته، فلم يتلق منه جواب ؟ بل كل ما تلقى منه هو تفسير خاطئ وقياس مردود عليه بين بحث الشرطة القضائية وبحث المقرر،دون إدراك حتى التعديل الوارد على قانون المسطرة الجنائية والذي يسمح بحضور المحامي أمام الشرطة القضائية ،فضلا عن سوء تفسير حتى لمجرد قرار واضح للمتابعة بين تعلقه بمتابعة واحدة أو ثلاث كما فسرها؟
وحيث إن محاولة المقرر طمأنة القاضي المتابع على أنه سيساعده ويتعاون معه في البحث لم تمنع القاضي المتابع بكل جرأة وشجاعة بالجواب بأنه لا يريد إلا حقوقه الدستورية في الدفاع والمحاكمة العادلة وليس الهبات والوصايا، فضلا عن تعبير المقرر للقاضي بأنه محرج ولم يختر المهمة بمشيئته وبرغبته بعد سبق إثارة تنبيهه بالاعتذار عن المهمة .
وحيث إنه من غريب الصدف الجديرة بالاستشهاد بها وللتاريخ أن ما يثيره القاضي المتابع حاليا من أسباب التجريح هي نفسها التي أعابها الحكم أساس التجريح على النيابة العامة من إخلال بضوابط المحاكمة العادلة والمعاملة المهينة.
وحيث إن كل هذه المخالفات الدستورية جعلت من التحقيق المباشر من قبل المقرر موجها ومشكوك فيه لإخلاله بقواعد الحياد والنزاهة والأمانة المبرر لتجريحه وتغييره بقاض آخر فورا دون قيد أو شرط.
وحيث إنه إذا كانت هذه المخالفات الدستورية على خطورتها وحجمها ترتكب بحق قاض مؤتمن على حقوق وحريات المواطنين فكيف سيتصور التعامل مع المتقاضين البسطاء، وما هي الرسالة بالضبط التي يراد توجيهها للقضاة حماة القانون المفتقدين لأي حماية فعلية ؟
وحيث فضلا عن ذلك فإن السيد وزير العدل بصفته رئيسا للنيابة العامة عين مرؤوسه الوكيل العام بصفته مقررا في القضية وهو يتبع تعليماته بصفته رئيسا تسلسليا له، فكيف للمرؤوس أن يخالف تعليمات الرئيس، ويحقق بحياد وتجرد ؟ ناهيك عن الخصومة الشخصية بين الوزير والقاضي المتابع والتي يعرفها العام والخاص والرأي العام القضائي الوطني والدولي بسبب عدم تقبل الوزير إصدار حكم على رئيس الحكومة بشأن توظيف الأطر المعطلة وما تبعها من عقوبات تأديبية ظالمة من توقيف عن العمل ثلاثة أشهر وبدون أجر وحرمان من الترقية لسنتي 2013 و 2014 ونقله من القضاء الاداري إلى النيابة العامة رغم عدم وجود رابط بين المخالفة التأديبية المزعومة والتنقيل التعسفي من القضاء الاداري .
وحيث إن العدالة تقتضي تعيين مقرر لا تربطه بالوزير أي رابطة التبعية وإنما يجب تعيين قاض للحكم من منصب رئيس غرفة من محكمة النقض متخصص في قضايا حرية الرأي والتعبير .
وحيث مما لا شك فيه أن المجلس الاعلى للقضاء هو المؤسسة الدستورية التي تملك صلاحية و سلطة الرقابة على الابحاث الادارية القبلية التي تتولى المفتشية العامة والمقررين و تقدير مدى احترامها للتواجهية و حقوق الدفاع، لأن ذلك لا يجب ان يقتصر على المحاكمة التأديبية أمامه طبقا للفصل 61 من النظام الأساسي للقضاة، بل يجب أن يمتد أيضا الى جميع الاجراءات و الأبحاث السابقة لها، و هو التوجه الذي اعتمده المجلس الأعلى للقضاء بفرنسا في قراره الصادر بتاريخ 11 يوليوز 2013 .
وحيث إن التأديب خلق لتخليق المرفق القضائي وتحقيق وضمان حسن سير العدالة وليس الانتقام من قاض والمساس باستقلاليته وإعدام حقه في التعبير عن رأيه تنميطا للفكر وتدجينا له، والقضاء على الحق في الاختلاف، وانتصارا لعقلية التحكم والهيمنة، والتمجيد والتصفيق عوض منهج الحوار والتوافق الايجابي لخدمة قضايا الوطن بما يقتضيه ذلك من حكامة جيدة وفكر دستوري .
وحيث إن التأديب الممارس حاليا تم لغايات سياسية وحزبية ضيقة غير وطنية من طرف وزير العدل بدعم وإيعاز من حزبه وفريقه البرلماني الذي سبق لرئيسه السيد بوانو “المشتكي الحالي “أن وجه للقاضي المتابع اتهام خطير “بشان مشاركة و حضور الغير في تحرير ملف المعطلين “، وكذا توجيه “اتهام خطير ومجاني إلى نادي قضاة المغرب من كونه قام بتحالف مع أحد الفرق البرلمانية بهدف افساد الانتخابات المقبلة وهدد بمواجهته”ودون أن يتم التحقيق معه من طرف زميله ورفيقه في الحزب وزير العدل رغم مطالبة نادي القضاة بذلك، في حين حرك شكايته ضد القاضي المتابع وكل من يخالفه الرأي، وبسرعة البرق،مما يدل على أن العدالة عند السيد الوزير أصبحت انتقائية وتلبس لبوسا حزبيا ضيقا خارج الدستور والقانون وعدالة الوطن، وتتعامل مع المرفق العمومي كملك خاص لها وليس كملك للوطن والمواطنين،وتكتسي صبغة الاعتداء المادي على الحقوق والحريات، بما يحمله ذلك من انحراف في استعمال السلطة غير مسبوق في تاريخ المغرب.
وحيث إن هذه الاجراءات التأديبية السياسية والانتقامية والمشوبة بالشطط والانحراف في استعمال السلطة تستهدف في حقيقتها عزل قاض، بعدما عجزت وزارة العدل في شخص وزيرها عن إجباره على تقديم استقالته بصفة إكراهية، والمس باستقلاليته،لمجرد التعبير عن آراءه بكل حرية واستقلال حول الاختلالات الدستورية لمشاريع القضاء،والدفاع عن استقلالية السلطة القضائية ، وكذا الأحكام والاجتهادات التي سبق له إصدارها سواء في مواجهة الحكومة أو وزارة العدل والتي لا تقع تحت حصر والمنشورة في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية المغربية والأجنبية .
وحيث إنه حرصا على حقوق الدفاع وقواعد المحاكمة العادلة المكرسة دستوريا ودوليا ،وقضاء من طرف الغرفة الادارية بمحكمة النقض، وللمكتسبات الوطنية في مجال حقوق الإنسان، ومراعاة لأخلاقيات القضاء وأمانة الرسالة وقواعد الحياد والتجرد المعتبرة.
وحيث من أجله وتبعا لكل ذلك وتأسيسا عليه :
أهيب بكم رفع يدكم التلقائي عن نظر التحقيق وتنحيكم الوجوبي عنه لعدم أهليتكم القانونية للأسباب المفصلة سابقا أو إحالة الطلب على جهة التعيين للنظر فيه، لافتقاد التحقيق المباشر من طرفكم لمقومات الاستقلالية،ولأبسط مقومات العدالة التي ينشدها مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الضامن الأساسي لاستقلال السلطة القضائية وحامي القضاة من كل شطط أو استبداد تأديبي محتمل لا قدر لها .
وتجدون رفقته الحكم أساس طلب التجريح لكل غاية مفيدة
وتقبلوا فائق التقدير والاحترام، والسلام
محمد الهيني