أثارت الفضيحة الحكومية، التي كشفت عنها استفادة شركة «سهام»، المقربة من وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، حفيظ العلمي، من صفقة «التأمين الفلاحي»، قضية كبرى في المشهدين السياسي والاقتصادي، لتؤكد أن الإشكالات العميقة التي سبق أن طرحت حول شكل الدولة في المغرب، ووضعية الفئات المستفيدة من الريع، مازالت قائمة بكل تفاصيلها.
وهنا، لايسعفنا في التحليل إلا استحضار الأدوات المنهجية، التي كانت توظف في أدبيات اليسار، خلال سبعينيات القرن الماضي، على الخصوص، والتي كانت تصف مثل هذه الفئات التي تستفيد من ريع الدولة ومن الصفقات العمومية التي تمرر لها، في الظلام، بدون اللجوء إلى مسطرة الشفافية والتنافس النزيه، ب»البرجوازية الطفيلية».
لقد تشكلت طبقة من الأغنياء، مستفيدة من كل أشكال الريع واحتكار و استيراد وتصدير المواد، والاستفادة من المقالع والمناجم والمعادن، ومن صفقات كبيرة تمنحها الوزارات والمؤسسات العمومية، على شكل هبات، بالإضافة إلى هيمنة هذه الفئات على قطاعات الأبناك وشركات التأمين والخدمات…
ورغم كل الإصلاحات القانونية التي تمت في مجال الصفقات العمومية، والإصلاحات الدستورية، التي أقرت بمبادئ الشفافية والمرفق العام وتكافؤ الفرص والمحاسبة…إلا أن هذه «البرجوازية الطفيلية» لم تتراجع، حيث استمرت في مقاليد السلطة، كطبقة من الانتفاعيين، لا تحمل في فكرها ولا في أساليب عملها واستثماراتها ما يمكن أن ننسبه إلى المنهج الرأسمالي، من ابتكار في التصنيع و التجارة والخدمات، بل ما يهمها هو التربص لاقتناص «همزة»، تجود بها الدولة.
أي نموذج في الحكامة والترشيد، يقدمه المغرب، ووزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، الذي من المفترض فيه أنه هو الساهر على شفافية الصفقات ونزاهة التنافسية، يستحوذ على صفقة كبيرة، بشكل مباشر، تحت رعاية السلطة الحكومية؟
القضية أصبحت فضيحة كبرى، لا يمكن لرئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أن يدعي مرة أخرى، أنه آخر من يعلم، فالمعطيات الآن متوفرة أمامه. غير أنه سيكون من الصعب عليه أن يواجه البرجوازية الطفيلية، أولا، لأنه يقاسمها منظورها اليميني في التعامل مع المكتسبات الاجتماعية وتحرير الأسعار وتجميد الأجور والتضييق على الحق النقابي وخوصصة قطاعات الصحة والتعليم… ثانيا، لأن حزبه اختار الاصطفاف إلى جانب لوبيات «التحكم الاقتصادي»، الوجه الآخر لقوى مناهضة الديمقراطية وحقوق الإنسان.

      *عمود بالفصيح

جريدة الاتحاد الاشتراكي

  الاثنين 25 يناير 2016

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…