يحق للمناضلين التقدميين والديموقراطيين، وهم يخلدونالذكرى 57 لانتفاضة 25 يناير 1959 أن يستعيدوا، في هذه الفترة الحرجة من تاريخ بلادهم، لحظة التأسيس الكبرى للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، باعتبارها لحظة فرز قوي طبعت تاريخ المغرب المعاصر. والاستحضار، حاليا معناه بعيد عن أي نزعة حنينية أو ماضوية مغلقة بقدر ما هو إعادة تَملُّك اللحظة التأسيسية بكل أحلامها وعنفوانها ومساهمتها.
والاتحاديات والاتحاديون مطالبون بأن يتأملوا مسيرة حزبهم بكل منعطفاتها وتقلباتها، ولكن أيضا بكل ثوابتها الاستراتيجية، وما حققوه لبلادهم وما يجب أن يتحقق.
نفكر ماضينا وسنواصل غدنا، ولهذا نعتبر في الاتحاد اليوم أن حزب القوات الشعبية، عند تفعيل بنود تأسيسه ميدانيا من طرف الآباء المؤسسين للفكر التقدمي والنضال الديموقراطي، كان وظيفيا وبمبررات تاريخية أوسع: الاستمرار الحيوي لحركة التحرير الشعبية في بلادنا والحامل العملي والنظري للفكرة التحديثية.
وبالرغم من الأرضية المشتركة، في النضال الوطني من أجل استقلال البلاد واللبنة الصلبة للكفاح الوطني، التي جعلت من حزب الاستقلال الحزب الوطني الأول، فقد ارتأى الاتحاديون والاتحاديات، في مستهل الاستقلال،أن الفرز السياسي والفكريضرورة حيوية للتقدم الديموقراطي والتنافس المجتمعي، وشرط لا بد منه لبناء مغرب التعددية على أساس تقاطب سياسي واضح المعالم داخل المجتمع ، ومن أجل تقوية المجتمع نفسه ومواجهة النزوع الاستبدادي لدى الدولة ، التي كانت وقتها في طور التأسيس…
كان الاتحاد في أصله صوت العمال والفلاحين والشباب الثائر والمقاومين والنقابيين والأطر المثقفة، لذلك كان صوت المجتمع والمعبر الأمين عن حيوية مجتمع راكم رصيدا كبيرا في المقاومة والتحرير ، وراكم العديد من القيم النبيلة، كان جزء من الطبقة الحاكمة وقتها يسعى الى طمسها.
الحامل الحداثي.. لا يختلف الملاحظون الموضوعيون حول التلقيح الحضاري الذي قامت به أدبيات الاتحاد، السياسية والفكرية والثقافية، في استنبات قيم الحداثة والديمقراطية.
فقد تمت محاربة الاتحاد، بدعوى استيراد الأفكار الغربية والجاهزة والغريبة عن المجتمع، في مجهود تلاقت فيه الطرقية الجديدة وجزء من الدولة ونخبتها وجزء من إقطاع المجتمع ومحافظيه.
غير أن التراث الذي حورب الاتحاد من أجله، أصبح بشهادة الجميع تراثا وطنيا، إذ صارت الدعوات التحديثية والدعوات الى احترام حقوق الانسان والمساواة، والترسانة المفاهيمية كلها التي تتطلع إلى مغرب منسجم مع عصره، سرعان ما أصبحت على كل لسان وفي كل الأدبيات والخطابات، بما فيها الخطاب الرسمي .
ومن حق الاتحاديات والاتحاديين أن يشعروا باعتزاز كبير بهذا المنجز الحضاري، الذي جعل ثورتهم الفكرية تتحقق في المغرب في أقل من خمسين سنة، وإن كان الثمن باهظا للغاية، ربما أكثر مما تطلبته ثورات أخرى أكثر حدثا وصخبا.
لقد سالت مياه كثيرة تحت الجسر الوطني، وربح المغرب معركة الإصلاح بفضل ما قدمه الاتحاد وحلفاؤه، وهو ما يستدعي اليوم طرح السؤال مجددا: من نحن وماذا نريد؟
وإذا كنا نعرف أنفسنا كاشتراكيين ديموقراطيين ، نسعى إلى الاصلاح، فإن هذا التعريف يستوجب إعادة التحيين بناءً على معركة اليوم..
فمخاطر الردة واردة بشكل كبير، مسنودة من طرف الرجعية في المجتمع، ونحن ندرك بأن جزءا مهما من مشروع الرجعية الجديدة – إن لم يكن المشروع برمته – هو العمل على تعميم رجعيتها على المجتمع من أجل أن يسهل تعميمها على الدولة.
إننا نعتبر أن إحدى مهام الدولة في المغرب، علاوة على محاربة التطرف والفساد وحماية التراب الوطني، تكمن في عقلنة التاريخ المغربي الحالي والقادم، بترسيخ قيم الديموقراطية، وبالإصلاح السياسي والتوجه نحو الملكية البرلمانية الضامنة للاستقرار النهائي والقادرة على تقديم الأجوبة عن واقع تزداد تعقيداته مع تنامي القلاقل في المنطقة، وسعي الإرهاب لبناء دولته في المحيط الإقليمي وارتفاع منسوب المحافظة في المرحلة الحالية، مع ما يصاحب ذلك من ولاءات عابرة للأوطان تهدد النسيج الوطني، بل الفكرة الوطنية نفسها.
ومما يفترض في أبناء الحركة الاتحادية هو توحيد التحليل والتشخيص من أجل توحيد المساعي والتفاعل بينها وبين الشعب المغربي التواق الى العدالة الاجتماعية ودولة الحق والقانون والأمن المتعدد… وتوحيد التشخيص من أجل توحيد الفهم والحلول.
إننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، باعتبارنا استمرارا للاتحاد الوطني ، نعتبر أن الفرصة التاريخية لتوحيد القوى التقدمية قائمة اليوم، بتجاوز الذاتيات والاصطفافات التي أثبتت لاجدواها، والتوجه نحو تحصين الحقل السياسي المغربي، بتقوية الكيانات المستقلة، بإرادة نابعة من عموم شعب اليسار، وبتخصيب قيم المجتمع بالقيم الكونية التي يعانقها اليسار اليوم.
إننا ندرك أن المعركة الوطنية لم تستنفد أجندتها بعد، وما زالت حدود بلادنا تملي علينا الكثير من رؤانا للصراع والتنافس الداخليين، ولكننا ندرك في الوقت نفسه أن في تعزيز الديموقراطية، تعزيزا للوحدة الوطنية ولصوت المغرب في المحافل الدولية وفي العواصم ذات القرار العالمي..
إن من مهام الكتلة اليسارية التي ننشدها، التعجيل بتغيير طبيعة الدولة، بناء على ما تحقق في دستور 2011 وتوسيع وعائه الاصلاحي، بما يسمح للقوى التقدمية جمعاء بتغيير موازين القوى لفائدة تيارات الإصلاح والتحديث والدمقرطة والمساواة . ولنيتأتى ذلك إلا بتوحيد المجهود الفكري والسياسي والثقافي والمجتمعي عموما ، في أفق تقديم خيارات جديدة غير الخيارات المعروضة اليوم في ثنائية تفقيرية واختزالية لكل الثراء السياسي في المغرب، والذي راكمته التجربة النضالية للشعب المغربي.
إننا ندرك أن انتصار القوى اليسارية، وفي صلبها الحركة الاتحادية، لن يكون بمعارك انعزالية أو جانبية، إنه مشروط ، في الهنا والآن، بتجديد التعاقد مع المواطنين ، على أرضية مشتركة وبمشروع تتعبأ حوله كل الطاقات..لهذا يجدد الاتحاد دعوته إلى حوار يساري – يساري يربح فيه الجميع من خلال تقديم البديل النابع من أعماق الشعب، عن كل العروض السياسية المقدمة اليوم، بأفق حضاري وحداثي.
* الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية..
الاثنين 25 يناير 2016