قبل حلول موعد حدث 25 يناير بعث المهدي بن بركة مذكرة إلى الفروع و الأقاليم يشرح فيها جدول الأعمال المحدد لتجمعات 25 يناير و شرح الهدف من هذه التجمعات : تأسيس هيئات مستقلة عن اللجنة التنفيذية للحزب في إطار قانون الحريات العامة : «يجب أن يبدأ الإجتماع بكلمة توجيهية حول أزمة الحزب و الفراغ الموجود في توجيه الفروع و تجنيد الوطنيين لمعركة بناء الإستقلال و فشل محاولات سد الفراغ مؤقتا باللجنة السياسية للحزب التي انحلت في ماي 1958 ثم المؤتمر الذي لم ينعقد في الموعد المحدد بسبب العراقيل المعروفة و نتائج الفراغ الظاهر في سلوك جل المفتشين الذين يعملون على تضليل الوطنيين تبعا لمصالح خاصة…» . و يضيف المهدي بن بركة : « أصبح على أعضاء الحزب في الأقاليم إثبات وجودهم ليعلنوا مواقفهم من هذا الوضع لكي يستطيعوا فيما بعد إنقاذ الحزب بصفة منظمة و إعطاء الوطنيين في مختلف أنحاء البلاد إمكانية اختيار قيادة متبصرة حازمة مقتدرة…و إعلان انفصال الناحية عن اللجنة التنفيذية الحالية و الإدارة المركزية التي أخلت بواجباتها و ذلك في مقرر متزن مبني على حجج الكلمة التوجيهية ويصوت على هذا المقرر الاجتماع العام…» . هكذا ففي يوم 25 يناير1959 ، عقدت في مختلف المدن و الأقاليم المغربية مؤتمرات جهوية استثنائية لحزب الاستقلال أعلنت خلالها بعض القواعد الحزبية عن سحب الثقة من اللجنة التنفيذية و استقلالها عنها ثم قامت بتأسيس لجان جهوية للإشراف على ضمان سير الحزب و إعادة بعث الحركة في صفوفه ، أطلقت عليها اسم الجامعات المستقلة لحزب الاستقلال و أعطتها صفة فيدراليات مستقلة عن الحزب و كان هذا هو الشكل الذي انطلق به تنظيميا الجناح اليساري لحزب الإستقلال ، قبل أن يلتقي في الدار البيضاء ليعلن عن ميلاد الجامعات المتحدة لحزب الإستقلال ، و هو الإسم المؤقت لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سيعقد مؤتمره التأسيسي في 6 شتنبر 1959. . كان المهدي بن بركة هو المحرك الأول لحركة 25 يناير فقد أعلن صباح نفس اليوم عن تقديم استقالته من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ، و تناقلت محطات الإذاعة و وكالات الأخبار نبأ هذه الاستقالة على نطاق واسع ، كما ترأس المهدي المؤتمر الجهوي بالرباط في نفس اليوم بقاعة الغرفة التجارية التي كانت غاصة بأطر الحركة الجديدة الممثلة لمختلف فروع الإقليم ، وفي العشية ترأس مؤتمرا جهويا بالدار البيضاء رفقة محمد البصري بقصر المعارض ، و في طنجة و فاس ومكناس و مراكش والجديدة وآسفي و أكادير ، انعقدت مؤتمرات جهوية مماثلة للإعلان عن قرار الانفصال عن قيادة حزب الاستقلال و قد ترأس مؤتمر طنجة عبد الرحمان اليوسفي ، ومكناس المحجوب بن الصديق . أما أهداف الحركة فقد حددها المهدي بن بركة كالتالي : * «بناء استقلال البلاد و تمتين وحدتها. * تأسيس دستور ديمقراطي وحكومة شعبية. * تربية الأمة تربية سياسية ديمقراطية. * تكوين نهضة اقتصادية تضمن السير لسائر أفراد الأمة. توجيه تطوير البلاد الاجتماعي و الثقافي نحو حضارة وطنية عربية إسلامية». شكل يوم 25 يناير 1959 إعلانا عن ظهور حركة سياسية جديدة تحولت فيما بعد إلى حزب جديد في المشهد السياسي لمغرب الاستقلال وهو حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ، و بداية لمرحلة جديدة في الحياة السياسية المغربية ستكون بصمة الحزب عليها واضحة و حاسمة ، سواء من خلال النقاش السياسي الذي كان مطروحا آنذاك ، أو من خلال التطورات التي سيعرفها هذا الحزب على مستوى العلاقة بين أجنحته السياسية و النقابية والمقاومة، و أيضا على مستوى علاقته بالنظام الملكي و باقي الأحزاب الأخرى المكونة للحقل السياسي المغربي.
*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الجمعة 22 يناير 2016