تحل يوم 25 يناير 2016 الذكرى السابعة والخمسون للانتفاضة التاريخية، هذه الانتفاضة التي وقعت يوم 25 يناير 1959، والتي أدت إلى ميلاد حزب القوات الشعبية.
فبعد هذه الانتفاضة التي مرعليها أكثر من نصف قرن، شرع في تأسيس الحركة الاتحادية القادمة من عمق الحركة الوطنية وحركة التحرير الشعبية الممثلة في المقاومة وجيش التحرير، وأيضا من رحم حزب الاستقلال، بعد مخاض عسير، ونضال متواصل…
فعندما عاد المرحوم علال الفاسي من القاهرة سنة 1956 وجد حزب الاستقلال في يد تيار الشهيد المهدي بنبركة، وذلك حسب ما كتبه قيدوم الصحافيين الأستاذ عبد اللطيف جبرو في إحدى كتبه عن الشهيد المهدي بنبركة، وكذلك حسب تصريح علال الفاسي نفسه الذي قال فيه: “لما عذت إلى المغرب اكتشفت أن المهدي بنبركة هو كل الحزب ولا أتخيل حزب الاستقلال بدون المهدي بنبركة”.
فحاول علال الفاسي أن يستعيد الحزب ويأخذ الزعامة، كما حاول المهدي بنبركة أن يعقد مؤتمرا لحزب الاستقلال للتداول في الوضعية الحزبية بمقر الغرفة التجارية. بدأ النقاش حول الانشقاق، فقال المهدي بنبركة: “أنتم تتحدثون عن الانشقاق في الحزب، وأنا من جهتي لا أرى ثمة انشقاقا إلى حد الآن، ولكن الموقف سيختلف إذا ما اتخذ سي علال موقفا مختلفا معنا، لأن موقف سي علال وحده نضعه في الاعتبار، أما الآخرون فأنا أعتبرهم هامشيين”. لكن علال الفاسي التجأ إلى مدينة الرباط وأسس لجنة اليقظة المركزية، وبدأت الحرب الطاحنة للاستيلاء على الاعلام الحزبي والفروع الحزبية والمفتشين في الأقاليم. هذه الحرب كانت بين جناحين، جناح محافظ وجناح تقدمي.
لقد نجحت خطة علال الفاسي وأصبح زعيما وقائدا سياسيا بعدما لم تكن له أي سيطرة على الوضع من قبل، لأنه كان يعتبر من قبل زعيما فقط، وأن المرحوم أحمد بلافريج هو الذي كان يقود سفينة الحزب. نشر علال الفاسي بلاغا يعلن فيه طرد المرحوم عبد الله إبراهيم من حزب الاستقلال.
سيعرف حزب الاستقلال تحولات تاريخية، منذ سنة 1958، حيث كانت تنظيمات حزب الاستقلال تعيش مخاضا سياسيا، في نفس السنة سيكتشف الشهيد المهدي بنبركة النزعة المحافظة لإدارة حزب الاستقلال من أجل السيطرة على جريدتي “العلم” و”الاستقلال” الأسبوعية الناطقة بالفرنسية، التي كانت في إسم عبد الرحيم بوعبيد منذ إنشائها في أكتوبر 1951. حيث كان يتحمل مسؤولية إدارتها واستمر فيها إلى غاية دجنبر 1952، ثم أصبح يشرف عليها بعده المهدي بنبركة، الذي سيتم عزله من الجريدة، وسيتم تعويضه بمحمد اليازيدي، وسيتنازل عبد الرحيم بوعبيد عن الجريدة لصالح حزب الاستقلال. هذه الجريدة ستتوقف نهائيا حينما أصبح مديرها الأستاذ امحمد بوستة.
حينما كان المهدي بنبركة مسؤولا عن جريدة”الاستقلال” كان يفتح صفحاتها للذين كانوا ينتقدون حكومة أحمد بلافريج أنذاك، كما أقدم على نشر نصوص صدرت عن جيش التحرير تقيم الفترة التاريخية للعمل المسلح الذي عرفه المغرب ما بين 1952 – 1955، ثم كتب المهدي مقالا افتتاحيا بعنوان “نهاية إيكس ليبان” وهو لقاء بين الأطراف المغربية والفرنسية بفرنسا أسفر بعد نقاشات يوم 23 غشت 1955، ودامت خمسة أيام عن اتخاذ قرار تنحية ابن عرفة عن العرش وتشكيل حكومة وطنية مغربية تضم مختلف المكونات السياسية في أفق التفاوض مع الحكومة الفرنسية من أجل إدخال إصلاحات على نظام الحماية.
كان المهدي ألقى محاضرة بقاعة الأفراح بالدارالبيضاء حول الأزمة الوزارية، التي أشار فيها إلى أن “…الأمر ليس تنافسا على المناصب وإنما تحمل الانتفاضة قائلا : “… إن الأمر يتعلق بنقطة تحول في حياة الحركة الوطنية المغربية التي انطلقت نحو مرحلة جديدة من العمل المنظم الواعي المثمر الذي يلبي رغبة الجماهير الشعبية التواقة نحو مستقبل أحسن …”، وفي ذلك اليوم 25 يناير 1959 انطلقت انتفاضة على حزب الاستقلال، حيث عمل الشهيد المهدي بنبركة على تشكيل جامعات من طرف القاعدة الشعبية، وانعقدت تجمعات موسعة في مختلف المدن المغربية، وكذلك مؤتمرات إقليمية وانتخبت قيادات جديدة، وتحولت إلى تنظيم مؤقت سمي ب “الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال” تحت إشراف المهدي بنبركة. وتقرر إصدار أول جريدة يومية تحت إسم “التحرير” بتاريخ 2 أبريل 1959 بالدارالبيضاء تحت إدارة المرحوم الفقيه محمد البصري ورئاسة التحرير للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي.
بعد سبعة أشهر عن الانتفاضة، وبعد عقد المؤتمرات الاقليمية وانتخاب قيادات تقدمية، وتأسيس كتابة عامة ل “الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال”، حيث أسندت إلى رئيس المجلس الوطني الاستشاري أنذاك المهدي بنبركة مهمة التنظيم، وأسندت مهمة الشؤون السياسية للفقيه محمد البصري، كما أسندت مهمة الشؤون االصحافة والاعلام للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، ثم بدأ التمهيد لتأسيس حزب القوات الشعبية في أول مؤتمر له يوم 6 شتنبر 1959.
أما المرحومين عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم كانا يتزعمان في تلك الفترة حكومة الاصلاحات الاقتصادية، التي سميت بحكومة الصراع من أجل الاصلاحات وبناء المؤسسات الاقتصادية والحريات العامة، هذه الحكومة التي جاءت بعد حكومة بلافريج، هذه الحكومة التي خلقت الرعب في صفوف الطبقات البورجوازية وأصحاب رؤوس الأموال الذين كانوا يحاولون إفشال برنامج الاصلاح.
فكان حزب الإستقلال حسب ما ورد في مذكرات عبد الرحيم بوعبيد، قد عبأ كل وسائله الإعلامية والتنظيمية لمناهضة هذه الحكومة لدرجة أنه لم يكتف بجريدة “العلم” والنشرات الداخلية للحزب بل بادر إلى إصدار جريدة بإسم “الأيام” وقد كانت هذه الجريدة مخصصة للتهجم على شخص عبد الله إبراهيم وعلى حكومته. ثم بدأت مناورات أخرى وتضييق ومحاصرة حكومة عبد الله ابراهيم، التي كان فيها عبد الرحيم بوعبيد يتحمل مسؤولية نائب رئيس الحكومة ووزير الإقتصاد والمالية.
ثم كانت مؤامرة وحملة قمع واسعة منذ فبراير 1960، حيث شنت السلطات حملة ضد المقاومين والمناضلين الاتحاديين، بتهمة التآمر على ولي العهد، حيث في 14 مارس 1960 أذاعت الإذاعة المغربية في نشرتها المسائية خبرا قالت إنها تلقته من النيابة العامة بالدارالبيضاء حول قضية خطيرة، تتعلق بسلامة الدولة وسلامة ولي العهد أنذاك الحسن الثاني. ونشرت نفس الخبر وكالة المغرب العربي للأخبار. فكانت المحاكمات… منها قضية البشير ومن معه.. والحكم بالإعدام على أربعة مقاومين في قضية أطلق عليها التخطيط لمحاولة اغتيال ولي العهد “الحسن الثاني”، وهم عبد الله الزناكي، محمد بنحمو المدعو الفاخري، ادريس بن أحمد الدكالي، أحمد بن محمد تاجا المدعو الجابوني. هؤلاء الذين حملوا السلاح ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم وناضلوا ضد العملاء والخونة إلى أن جاء الاستقلال، وفي عهد المغرب المستقل سيتم تنفيذ الحكم عليهم صباح يوم 23 يناير 1962 بالسجن المركزي بالقنيطرة.
كما لجأ خصوم الوطنية إلى الكذب على المغفور له محمد الخامس، والتأثير في ولي العهد الراحل الحسن الثاني، إلى أن تم إسقاط حكومة عبد الله ابراهيم، بعد حوالي عشرين شهرا من عمرها، عن طريق مكالمة هاتفية من طرف ولي العهد “الحسن الثاني”، هذه الحكومة التي كان لها ما يكفي من الخصوم والأعداء في السر وفي العلن، انتهت بإعلان الراحل محمد الخامس أنه سيترأس الحكومة، وينيب عنه الأمير ولي العهد “الحسن الثاني” وذلك بتاريخ 24 ماي 1960، وبعد ثمانية أشهر تقريبا سيتم الاعلان عن وفاة المغفور له محمد الخامس ( فبراير 1961) على إثر عملية بسيطة قال كثير من الأطباء أنذاك إنها لم تكن ضرورية.
*عن موقع ذ. عبد الرزاق السنوسي على اللفيس بوك
الجمعة 22 يناير 2016