بين الشرط الموضوعي ونظرية المؤامرة خيط رفيع، لا يمكن تَبَيٌنٌ ملامحه بسهولة، غير أن الفرق بين الأمرين شاسع، والخطأ في التحليل، يمكن أن يؤدي إلى كوارث ونتائج غير سارة، على مختلف المستويات والأصعدة. ذلك أن الأحداث في أرض الواقع معقدة، بطبيعتها، وتتطلب القدرة على الفرز بين الأسباب الرئيسية والثانوية، التي تؤدي إلى وقوعها وتطورها.
ما يحصل من توترات في الساحة الاجتماعية المغربية، له أسبابه ودواعيه الموضوعية، مثل حركة الأساتذة المتدربين، الذين يواصلون احتجاجاتهم، ويطالبون بإلغاءما يصفونه ب « المرسومين المشؤومين »، في إشارة إلى مرسوم التخفيض من قيمة منحة التكوين ومرسوم فصل التكوين عن التوظيف، وهما المرسومان اللذين صادقت عليهما الحكومة.
إذن فهناك مبرر وموضوعي، هو الذي دفع بالأساتذة المتدربين، إلى الاحتجاج، الذي يمكن أن ينتهي في حالة التوصل إلى حل، عبر الحوار، مع المحتجين، فمن أين يمكن لنظرية المؤامرة أن تستقي مبرراتها؟ ربما من دعم ومشاركة أطراف سياسية وجمعيات دينية، في الاحتجاجات، لتوجيه ضربات إلى الحكومة، لكن هذا أمر طبيعي في كل الأحداث السياسية والاجتماعية، و لا يلغي الأسباب الموضوعية للاحتجاجات، كما أنه لا يحول الأمر إلى مجرد مؤامرة.
نظرية المؤامرة في مواجهة الحركات الاحتجاجية، تستعمل كثيرا من طرف الحكومات، للتهرب من مسؤوليتها فيما يحصل، والتنصل من ضرورة معالجة الأسباب الموضوعية، كما حدث عندما اتهم الملك الراحل الحسن الثاني، منظمة «إلى الأمام»، اليسارية، بالوقوف وراء الانتفاضات الشعبية التي عرفتها عدة مدن مغربية، سنة 1984، بينما كان جل أطر ومناضلي هذا التنظيم يقبعون في السجون، بأحكام قاسية، وهم يتفرجون على إلصاق تهمة باطلة بمنظمتهم، التي شلت حركتها تقريبا، بسبب القمع.
بعد خطاب الملك الحسن الثاني، انطلق البوليس في حملة اعتقالات واسعة، لعدد من الشبان في الجامعات لا علاقة لهم بتنظيم الانتفاضات العفوية، التي جاءت كرد فعل على حالة الاحتقان الاجتماعي والأزمة الاقتصادية وانتشار الظلم… غير أن هذه الاعتقالات لم تنه حركة الاحتجاجات والانتفاضات التي توالت طيلة الثمانينات والتسعينات، لأن أسبابها الموضوعية كانت قائمة.
وظلت الأسباب قائمة، مما دفع بالملك الراحل، إلى الإعلان بأن المغرب مهدد بالسكتة القلبية، اعترافا منه بمسؤولية الدولة في ما آلت إليه الأوضاع، وليس لأن هناك «شياطين» يحبكون المؤامرات في الخفاء.

    *عمود بالفصيــح

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

   الثلاثاء 19 يناير 2016

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…