*أصدرت جمعيتكم مذكرة ترافعية بخصوص مشروع القانون المتعلق بالمراكز الإستشفائية الجامعية. ما هو الدافع للإقدام على هذه الخطوة؟
* هناك أمران أساسيان يرتبطان بهذا الموضوع، الشق الأول يتعلق بمنهجية الإعداد، وفي هذا الإطار نشير إلى أن بعض الفاعلين الجمعويين والنقابيين صرحوا أن الوزارة لم تستشرهم في هذا الشأن، وعليه فإننا ونحن نتطرق للأمر نجدد ومن خلال منبركم الإعلامي التأكيد على أن الجمعية المغربية لعلوم التمريض والتقنيات الصحية مستعدة لكل مشورة وإشراك فيما يخص السياسات العمومية ذات العلاقة بالصحة وليس فقط التمريض، لأننا نريد أن نقوم بدورنا كاملا كمجتمع مدني وكجمعية مهنية علمية في التعاون مع صاحب القرار السياسي، ولا بأس أن نذكر هنا بأننا شاركنا،بعيدا عن فخ الكرسي الفارغ والنهج الصدامي، في العديد من المحطات على غرار المناظرة الوطنية للصحة وكذا قانون الطب.
أما الشق الثاني، فيتعلق بالمضمون لكون مشروع القانون يهمل الحضور الكمّي والنوعي للممرضات والممرضين، كما سينتج لا محالة تمثيلية غير متكافئة وذكورية وبكيفية غير ديمقراطية للعاملين في المراكز الاستشفائية الجامعية، إضافة إلى أنه لا توجد أي آلية قانونية للتنسيق والتعاون بين هاته المراكز، الأمر الذي لايمكن معه استحضار وتصور أن يكون لكل مركز نظامه الخاص بالعاملين، يحدد شروط التوظيف، والأجور، والمسار المهني، وهو ما يدفعنا لطرح تساؤل عريض حول إمكانية تسبب ذلك في تفاوتات يمكن أن تكون أصلا سببا في احتجاجات اجتماعية على غرار مطلب الشغيلة الحالية بتوحيد نظام التقاعد؟
وإلى جانب ذلك فإن مشروع القانون في نسخة الأخيرة يعاني من ضعف منسوب الحكامة، إذ لا يلزم المدير بتحصيل تكوين في الإدارة والتدبير الصحي، ويضخّم عدد ممثلي الدولة ضمن مجلس الإدارة، في مقابل التخلي عن ممثل المرتفقين، والرفع من عدد الأساتذة الباحثين من ثلاثة إلى ستة، فضلا عن رفض تمثيلية خاصة بالممرضين والإبقاء على ثلاثة مقاعد مشتركة بينهم وبين باقي الفئات من متصرفين ومهندسين وتقنيين وغيرهم، وهو ما يوضح أن المشرعين هنا يجعلون المراكز الاستشفائية الجامعية حكرا على فئة واحدة، دون إغفال أن أعمال البحث والخبرة والابتكار لا تقتصر على الطب بل على علوم الصحة جميعها بما فيها التمريض والإدارة الصحية وعلم الأوبئة وغيرها.
* ما ذا تقترحون في هذا الشأن؟
* يجب تجاوز معيقات المقاربة البيوطبية إلى الآفاق التي تفتحها مقاربات اجتماعية وحقوقية في الصحة، حتى بالنسبة للمستوى المرجعي الأعلى في سلسلة العلاجات، أي المراكز الاستشفائية الجامعية. لذلك يجب الذهاب بعيدا في مشروع القانون إلى حد الابتكار حتى نصل إلى قانون يمكن من تغيير العقليات المتحكمة والسلوكات السلبية المنتشرة.
وعلى المستوى العملي، نقترح بعض الأفكار الأولية التي تتمثل في أن يتم التعامل مع المرتفقين لا كأهداف بل كشركاء وحاملي حقوق، وبالتالي إعادة التفكير في صيغ لإدماجهم في الأجهزة ولو بصفة استشارية، إضافة إلى التأكيد على أن هناك فرقا بين الطبيب والمدير، لذلك ليس من المفروض أن يكون كل مدير طبيبا، لكن بالمقابل يتعين على المدير أن يتوفر على تكوين في مجال التسيير والإدارة الصحية. ومن بين المقترحات أيضا التي تنبني على تشخيص طبيعة غالبية الموارد البشرية المؤنثة في قطاع الصحة والتي تصل نسبتها إلى 65 في المئة، المطالبة بإعمال المناصفة في التمثيلية، إلى جانب اختيار ممثلي وممثلات العاملين بالمراكز الاستشفائية الجامعية بطريقة ديمقراطية عبر إقرار الانتخاب كقاعدة لاختيارهم، كما يتعين ضمان سماع صوت الممرضين داخل لجنة التسيير ومجلس الإدارة باعتبارهم يشكلون أغلبية المهنيين، فضلا عن تعزيز قواعد الحكامة، خاصة ما يتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، والنزاهة، والمشاركة، وتعزيز وظيفة التتبع والتقييم التي تعتبر شرطا لازما لنجاح مشروع الإصلاح الإستشفائي، كما أننا نقترح إحداث مجلس أعلى للتنسيق بين المراكز الاستشارية الجامعية لكونها ليست بجزر معزولة عن بعضها البعض.
* ارتباطا بالنقطة الأخيرة، أين تكمن بالنسبة لكم أهمية إحداث مجلس أعلى للتنسيق بين المراكز الاستشفائية الجامعية؟
* إن من شأن إنشاء مجلس أعلى للمراكز الاستشفائية الجامعية بالمملكة المغربية المساهمة في دعم التنسيق بين هذه المراكز وتسهيل التعاون بينها وتبادل التجارب والقيام بكل ما من شأن تقوية عملها وتطويره، وخصوصا على مستوى إجراء مناقصات مركزية وموحدة خاصة بالأدوية الأساسية والمستلزمات الطبية والتجهيزات البيوطبية، سواء تعلّق الأمر بالاقتناء أو الصيانة، مما سيمكّن من ترشيد النفقات واقتصاد مبالغ مهمة، وكذا وضع وتوحيد النظام الداخلي والنظام الأساسي للمستخدمين في المراكز الاستشفائية الجامعية. يفصل في تركيبته ومهامه بنص تنظيمي.
* كيف يمكن للممرضين كجسم مهني في قطاع الصحة المساهمة في هذا الصدد؟
* إن جيش الممرضات والممرضين من داخل من داخل المراكز الاستشفائية الجامعية يتواجد في خط الأمامي، ويقوم فعليا بتقديم الخدمات العلاجية، وحفظ الصحة العمومية، وبأنشطة التكوين الأساسي والتكوين المستمر، وبأعمال البحث والخبرة والابتكار في مجال علوم التمريض، في أكثر من عشرين تخصصا، منها القبالة والصحة النفسية، والتخدير والإنعاش، المستعجلات، صحة الشيخوخة، والترويض، والتغذية. فقط يجب تثمين هذه الأعمال. كما أنهم يشكلون غالبية العاملين في المراكز الاستشفائية الجامعية بأكثر من النصف، ويشهد مسارهم تحولات مهمة تهم الإصلاح البيداغوجي لنظام التكوين الذي أصبح جامعيا، ومسلسل تقنين المهنة الجاري حاليا، والنظام التمثيلي الذي سيتم إطلاقه بتأسيس الهيئة الوطنية للتمريض. لذلك يجب أن يتم الاعتراف بأدوار الممرضين وتعزيزها، وكذا الاستماع لاقتراحاتهم من أجل إنجاح هذا المشروع الوطني.
إن الممرضين الذين يشكلون الأغلبية هم يطالبون فقط بضمان تمثيلية متوازنة ضمن مجلس الإدارة ولجنة التسيير، وكذا إلحاق مدير المعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة أو من ينوب عنه، بمجلس الإدارة ولجنة التسيير، وضمان تمثيلة الهيئة الوطنية للتمريض في مجلس الإدارة حين يتم تأسيسها، كما يجب مأسسة مخطط العلاجات التمريضية وإلزام مدير المركز بتقديم تقرير يهم العلاجات التمريضية على غرار باقي أنشطة المركز.
وارتباطا بهذه النقطة دائما، نريد التأكيد على أن التسمية السليمة التي يجب أن ينعت بها جسم التمريض هي «الممرضون»، ولا نريد تسميتنا بـ»شبه الطبي» بعد الآن، إذ لا يعقل أن يتحقق هذا الانتقال في العالم بأسره بينما ما يزال المغرب يشكل استثناء.
* هل يكفي الإطار القانوني وحده لإصلاح أوضاع مستشفياتنا؟
* رغم ايجابية تحيين الإطار القانوني المنظم للمراكز الاستشفائية الجامعية، لكنه يبقى إصلاحا جزئيا وشبه معزول، ما دام لم يتم الالتفات لمشاكل بنيوية من قبيل الإنصاف في تغطية التراب الوطني، دعم شبكة المراكز الاستشفائية من المستوى الأول والثاني، وتوفير الموارد البشرية الكافية وتحفيزها من أجل الاستبقاء في الوظيفة العمومية، والمواكبة المادية الكافية والناجعة.
(*) نائب رئيس الجمعية المغربية لعلوم التمريض والتقنيات الصحية
الحوار عن جريدة الاتحاد الاشتراكي