تشاء البلاغة أن تجمع بين وزير أول سابق، ارتبط اسمه بالخروج عن المنهجية الديموقراطية، ورئيس حكومة، كان وصوله إيذانا باعادة اقرارها.
الرجل الأول، ادريس جطو، و الرجل الثاني عبد الاه بنكيران يوجدان فعليا على ضفتين متقابلتين من نهر السياسة المغربي،وفي وسطهما المنهجية الديموقراطية ودورها في التاريخ الحديث جدا للمغرب المعاصر، لكن في ذات النهر، بينهما مياه ومجداف…بالذات جدلية بينهما جدلية الماء والمجداف..
سبق لكاتب هذه السطور أن كان شاهدا على حادثة سياسية، رافقت الإعداد للانتخابات 2002. وقد كان ادريس جطو وقتها وزيرا للداخلية ، أسندت اليه هذه الاقتراعات الحاسمة في تاريخ بلادنا.
وقد ورد على الداخلية سنة واحدة فقط، اي 2001، لكي يتولى الملف.وقتها صرح لدى استقباله لوفد من رجال الاعمال الفرنسيين، إذا لم تخنِّي الذاكرة بأن »الاغلبية الحالية-يقصد الاغلبية التي قادها المجاهد السي عبد الرحمان اليوسفي من 1998 الى ذلك التاريخ- ستكون هي الاغلبية القادمة«.
بالرغم من أن الايام التي جاءت من بعد أثبتت أنه كانت يتكلم عن أغلبيته هو بالذات، بعد الخروج عن المنهجية الطيبة الذكر، فإن العدالة والتنمية، في شخص الاستاذ عبد الاله بنكيران وإخوانه خرج ليستغرب – عن صواب- هذا التصريح، ويندد به معتبرا أن ذلك نوعا من الترتيب القبْلي للنتائج.
ادريس جطو، الذي يعرف التحاور حول الملفات الشائكة، توجه بالكلام إلي قيادة العدالة والتنمية التي التقته بالكلام التالي:»بلا ما تْجَدْفو(أو تقذفوا) الموجة جايباكم«… اي لا تستعملوا المجاديف فالموجة تدفعكم الى مقدمة المشهد.
هل كانت تلك مجرد قراءة لعمق التحولات في البلاد وفي المحيط الاقليمي، قبل انفجار الوضع أم ترتيب ذكي لواقع يتحرك ببطء؟
المهم الجواب لم يتأخر وساعدت موجة العمق القادمة من الشرق الثائر الى الغرب الهادر في تحقيق نبوءة ادريس جطو.
عبد الاله بنكيران لا شك أنه يشعر بأنه في غير حاجة الى استعارة المجداف، و لهذا توجه مباشرة الى الماء..
ولسان حاله يقول : لماذا الحديث عن المجداف اذا كانت الموجة حصان طروادة الظاهر؟
لن يعرف أحد لماذا أراد رئيس الحكومة أن يعود الى استعارة الماء، التي سبق لجطو استعمالها، لكن من المؤكد أنها أحسن ما وجد للحديث الى أطر حزبه في نهاية الاسبوع الماضي.
فقد خاطبهم بالقول:»شفتي الما يلا جاي.. وخا دير اللي درتي راه جاي، «، وهو في ذلك ليس في موقع عالم الفلك الذي يتشمم مسار النجوم..أو مناخ المغرب السياسي.
إنه يرفع الاستعارة إلى بلاغة تنبؤية عندما يشبه حزبه وأعضاءه بـ»قدر الله«.
فهو يقول بلامواربة ما يتجاوز به تقديرات ادريس جطو السابقة »يحاولون أن يفسدوا علينا فرحتنا لكننا غاديين وحنا بحال قدر الله«.
إنه ، يتوقع أن النتيجة ستكون لفائدته ، وأن الموجة التي رآها ادريس جطو ما زالت قائمة وتأسست أسباب معقوليتها بارقام الاقتراع الماضي.
ما يؤسس عليه بنكيران النجاح القدري هو ارقام انتخابات 4 شتنبر.
فقد حصل الحزب في اقتراع نونبر 2011 على ما يعادل مليون و80 الف صوت. غير أن هذا الرقم ارتفع بعد أربع سنوات، بحوالي 600 الف صوت، أي نسبة تقارب الضعف.
وفي حالة تكلمت الارقام كما يجب لها أن تتكلم في اقتراع التشريعيات القادم فإن 600 الف صوت، قد تمكن الحزب بقرابة نصف المقاعد – إضافية- التي حصل عليها في 2011، وعليه فإن قدر الله سيحدث «تسونامي» سياسيا ، باستعارة الماء دوما والامواج ..، ويفوز بقرابة 160 مقعدا برلمانيا!
التفاؤل السياسي المبرر لا يرتبط فقط بعدد الاصوات ، بل في المسح السياسي الشامل للمدن والمدن المتوسطة والاحواض القريبة منها، وهو ما يشكل خزانا واعيا، لا يمكن توقع احتضاره أو تغيره بين محلية وضحاها!
والارتباط ، مع الحزب الأول ما زال ارتباطا غير مشخصن، ولا يعتمد الوسائط البديلة عن السياسة والاتزام والتفاني والاشعاع الحزبي التنظيمي والتغلغل في المجتمع، كما كانت الحاجة في بعض الأحيان في البحث عن مقومات التواجد في البلاد.
النقطة الثالثة وهي أن اقتراع 4 شتنبر طمأن القيادة السياسية لحزب بنكيران أن تسييه – الاقتراع- لم يكن ضدهم، وأن تحويله الى اقتراع يتجاوز المجالين المحلي والجهوي ، طمأنهم أن محاكمة سياسة أو عقابا سياسيا غير وارد بالرغم من كل القرارات اللاشعبية…
ولحد الساعة لم تستطع النقابات أن تفرز موجة عمق اجتماعية كبرى تهدد الحكومة، بالرغم من الحشد الكبير الذي استجاب لها أو تضامن مع خطواتها. وما كانت تفعله الكونفدرالية وحدها في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أصبحت النقابات الأخرى ، بالرغم من جديتها وعلو نضاليتها وقدرتها على الفهم والتأطير تتعثر في تحقيقه، بشكل يقلب المناخ العام في البلاد أو يجعل المعادلة لفائدتها في التأثير على الاقتراع وتحويله الى اقتراع عقابي…
المترتبات السياسية عن »جدلية المياه والمجذاف« ستتجاوز ما يجري حاليا، حيث سيكون أمام رئيس الحكومة تدبير الانتخابات، وتحقيق القبول بترتيباتها، ثم بنتاجئها، ومن ثم بما تفرضه من تحالفات.. لكن المعادلة التي ستلي الانتخاب تكاد تشبه متناقضة سقراطية:كيف نتعامل مع من يشرف على انتخابات يعرف أنها ستقوده الى الصدارة – بقدرة القدر السياسي- دون أن نشك فيها وفي ما يترتب عنها؟
أمامنا السؤال لكن ليس بيدنا عتبة الجواب.
النقطة الاضافية في المشهد الوردي لابنكيران هو أنه سيخوض معركة الانتخابات وقد نجح في أن يجعل نفسه في وضع الهجوم الكاسح وترتيب الأعداء والاصدقاء بناء على درجة القرب منه أو الابتعاد، وهو ما سيسعفه في أن يلغي أي تناوب بديل في المستقبل القريب وتكريس مقولة تناوب بلا بديل alternance sans alternative ….أو البحث عنه من داخل الموجود وليس من خارجه!
وتلك حالة أخرى من جدلية المياهالغامرة..ولحد الساعة هناك خطاب سياسي واحد يقدم التوقعات المقبلة هو خطاب بنكيران بما يعمق من أحادية المشهد.. ومآلاته.
* كسر الخاطر * جطو وبنكيران: جدلية الماء والمجداف.. * بقلم : عبد الحميد جماهري
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الاربعاء 6 يناير 2016