تنتقد الحركة النقابية، جملة وتفصيلا، الاجراءات المقياسية الأربعة التي جاء بها رئيس الحكومة في خرجته البرلمانية بحر الأسبوع الجاري، فبالنسبة للإجراء الأول القاضي برفع سن التقاعد تدريجيا نحو 63 سنة ، تريده الحكومة “إجباريا” و “معمما” ومنفصلا عن السياسة العامة للبلاد ، في حين أن الرفع من سن التقاعد ،تريده النقابات “اختياريا” و “اختباريا” ومبنيا على “التحفيز”
لست أدري من هو الحكيم الذي أفتى على البرلمانيين أن يطرحوا معضلة تقاعدهم، هم والوزراء في هذه الفترة بالذات، لكني أعتقد بأن الذين سينظرون في ملف شائك مثل تقاعد المغاربة العاملين ، ويقرر فيه بناء على معطيات شائكة، كان عليه أن يترك الأمر الذي يهمه إلى وضع أفضل..!
ليس المطلوب هو الدراما، ولا المطلوب هو الملهاة، لكن المطلوب هو النقاش الذي يجبر القضية المركزية على أن تضيع بين تقديرات غير موفقة.
اليوم هناك قضية سياسية اجتماعية، تدرجها الحكومة في باب الاصلاح ولو كانت توترا، وتدرجها النقابات في باب التوتر ولو كانت إصلاحا.
وفي عمق الاسئلة هناك قضايا تعتبر محكا حقيقيا لسرعة البديهة وقوة الحجة..
وفي عمق ذلك هو التوازن بين الاقتطاعات وبين القيمة المحصل عليها؟
وهو جوهر خلاف بين الحكومة وبين شركائها النقابيين.
وإذا طرحنا الأمر من هذه الزاوية على القضية المعروضة للتقدير السياسي والحكومي، والخاصة بتقاعد الوزراء والبرلمانيين، فهل هناك توازن فعلي بين قدر المساهمة وقدر الاستفادة؟
أي: ماهي درجة التناسب بين المبالغ التي تدفع لهم، أي الغلاف المالي لمستحقاتهم الشهرية ، وكم سيدفع للبرلمانيين في التقاعد؟..
الحكاية الثانية هي :هل التقاعد البرلماني والوزاري هو التقاعد الوحيد الذي سيعرفه المعنيون بعد نهاية مهامهم السياسية والنيابية؟
وهل سيكون التقاعد الوحيد في حياتهم؟
هل يمكن أن نتخيل أن نظام التقاعد يكلف أكثر من الأجور التي يتلقونها؟
فالبرلماني الذي يتلقى التقاعد ، هو رجل لا يدفع بعد خمس سنوات…، في حين أن الدولة تواصل دفع تقاعده.. مدى الحياة، وربما مدى الموت إذا تم اعتماد الإرث..!
وهي تدفع له، إضافة الى ذلك، تعويضات زملائه، وتقاعدهم القادم..
إنها تستخلص من مبالغه المحدودة في الزمن والمبلغ، تقاعدات قادمة لأناس لا يعرفهم هو في الساعة التي نتحدث عنها!!
فالنشطاء البرلمانيون اليوم هم مايقارب 400أو زد أو انقص منهم قليلا ولكن كم من متقاعد: سيكون لدينا أو لدينا الآن..؟
فما يدفعه النشيط حاليا أقل بكثير مما يتلقاه المتقاعد، حاليا ومن بعد!
كم سيدفع البرلماني كمساهمة…
وكم سيتلقى كتعويض..؟
إذن لنتصور أن هذا النظام يطبق على عموم المساهمين..؟.
وأن ما يدفعه المعلم والممرض والصحافي والعسكري والمساح والمنظف والممرضة والاستاذة والطبيبة في القطاع العام، سيكون بنفس التوزان، كم سيكلف ذلك الدولة؟
وهل يستقيم الحديث في هكذا موضوع إذا كانت الدولة تتعلل بالكلفة والمبالغ الكثيرة لكي تعيد النظر في المنظومة الحالية برمتها..؟
وهل سيقنع الوزير والبرلماني أمة تتأرجح بين نقطتين في سلم التقاعد إذا هو أخل بذلك؟
مجرد سؤال لا يلزم أحدا بالجواب..!
سؤال آخر:
هل يحق لمن يملك فرصا أخرى للتقاعد أن يتقاعد ، متخما من البرلمان؟.
ألا يمكن أن نتصور سيناريو آخر مثلا للوزراء والنواب المحترمين كما في دول أخرى محترمة؟
أي لماذا لا نطرح السؤال المنطقي: لماذا لا يعود الاستاذ الى الجامعة مثلا بعد نهاية الوزارة ونهاية البرلمان؟
لماذا لا يعود الى عمله..؟.
تربح الدولة والطلبة والجامعة والثانوية من خبرتهم ومن احتكاكهم ، وتربح الدولة من أخلاقيات العمل الجاد ومن مهام الحياة العملية.
ألن يقنعنا برلماني أو وزير عاد الى الجامعة بعد الوزارة أو بعد النيابة أكثر مما تقنعنا الوصلات الاشهارية في التلفزيون كلما احتجنا الى تصويت المغاربة؟
مجرد سؤال ثان لا يلزم بالجواب أحدا..!
—
نتصور التقاعد كما لو أنه سيكون مثل تقاعد الكثيرين في الوظيفة العمومية أي “كي دخول الوظيف كي الخروج منو”.
فهل نتصور أنهم يدخلون كلهم، كما خرجوا ..؟
أبدا: فمنهم من يخرج بمنازل كراء
، ومنهم من يشيد لنفسه معملا،
ومنهم من يزيد في مدرسته الخصوصية
وآخرون يبنون مطاحن وضيعات ،
ونوع رابع يجمع كل ذلك...
ويلعن الحياة التي تقسو عليه مثل الآخرين !
فما الذي يمنع الطبيب من أن يعود طبيبا ، خاصا أو عاما..؟
وما الذي يمنع الاستاذ أن يعود أستاذا؟
وحده العاطل قبل البرلمان ممنوع عليه أن يعود إلى بطالته..!
– – –
صديقي في اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد اعتبر أن مضمون الخطة الحكومية التي جاء بها بن كيران مضمون تقني صرف، يأخذ بعين الاعتبار التوازنات المالية لنظام المعاشات المدنية ولا يأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي المتعلق أساسا بالقدرة الشرائية للمنخرطين والاستهلاك الأسري للمتقاعدين وذويهم.
صديقي يقول إن الحكومة اعتمدت في مقاربتها لإصلاح هذا الملف على تدبير تجزيئي ضيق، متجاهلة كل ما تم الاتفاق حوله خلال سنوات على ضرورة الاصلاح الشمولي، وهو ما يتنافى مع ما تم التوافق حوله بخصوص التوجه في الإصلاح خلال المدى المتوسط نحو تثبيت دعائم نظام ذي قطبين أحدهما عمومي والآخر خصوصي، غير أن نقط الخلاف بين النقابات والحكومة تتركز أساسا في تدبير المرحلة الانتقالية قبل الوصول إلى نظام القطبين .
وبينما تتجه الحكومة نحو اعتماد إجراءات مقياسية وتقنية صرفة تفتقد للإبداع السياسي، تدعو الحركة النقابية في المقابل إلى اعتماد تدابير شمولية تراعي الأوضاع المادية والاجتماعية والمهنية للمنخرطين.
وتنتقد الحركة النقابية، جملة وتفصيلا، الاجراءات المقياسية الأربعة التي جاء بها رئيس الحكومة في خرجته البرلمانية بحر الأسبوع الجاري، فبالنسبة للإجراء الأول القاضي برفع سن التقاعد تدريجيا نحو 63 سنة ، تريده الحكومة “إجباريا” و “معمما” ومنفصلا عن السياسة العامة للبلاد ، في حين أن الرفع من سن التقاعد ،تريده النقابات “اختياريا” و “اختباريا” ومبنيا على “التحفيز” ويأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الشاقة لبعض الوظائف كالتعليم الابتدائي والثانوي الذي تقول النقابات إنه لا يمكن الاستمرار في مزاولته بعد ال60 ، ونفس الحال ينسحب على الممرضين والممرضات وهو ما تؤكده تقارير منظمة العمل الدولية، حيث هذه الفئة هي الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية، إضافة إلى رجال الأمن ورجال الوقاية المدنية والقباض الصيرفيين ومحصلي الأموال..إلخ ، كما تلح النقابات على ضرورة ربط رفع سن التقاعد بحل إشكالية التشغيل والتوظيف .
صديقي ، عادة ما، لا يحب أن يزايد، ولا تخدعه الارقام ولا هو ممن يقال عنهم أنهم يبحثون للحكومة عن قمل في الياقة أو الأذن، لهذا صدقته عندما ختم الكلام بالقول: بالنسبة للتدبير الثاني الذي جاء به بن كيران في ما يخص الرفع من نسبة الاشتراكات ، ترى فيه النقابات إضرارا بالقدرة الشرائية للمنخرطين، ينضاف إليه تدبير احتساب نسبة المعاش نحو الانخفاض من 2.5 إلى 2 في المائة وكذا احتساب السنوات الـ 8 الأخيرة كأساس للمعاش بدل المعاش الأخير.. وهي كلها إجراءات تمس في الصميم الوضعية المادية للمنخرطين وتهدد السلم الاجتماعي، في المقابل تنادي النقابات بضرورة مراعاة أي إصلاح لتوفير مناخ السلم الاجتماعي تحترم فيه الحريات النقابية وجدية الحوار الاجتماعي ويشمل بالضرورة تحسين القدرة الشرائية للمنخرطين، والحال أن كل هذه “التوابل” غابت عن الوصفة التي جاء بها بن كيران إلى قبة البرلمان.
هل يمكن أن يقال ذلك عن الوزراء والبرلمانيين يا ترى؟
سؤال لا يلزم أحدا بالجواب
لست أدري ولا ينبغي لي..
– – –
هل يمكن أن يقدم لنا السيد جطو اليوم جدولا ماليا عن مصاريف التقاعد البرلماني والوزاري؟
—
حكاية التقاعد الخاص بالوزراء يعرفها الكثيرون، وتتعلق بوزير سأل عنه المرحوم الحسن الثاني فوجد أن حياته صارت صعبة بعد خروجه من دائرة الضوء، فجاءته الفكرة بأن يحافظ للناس على جزء من مقامهم بعد الخروج من دائرة السلطة.
كان القرار إنسانيا رفيعا، لكنه كان قرارا للملكية التنفيذية كما مارسها الملك الراحل في أقصى درجاتها المطلقة! وما اشتق عنها لا يختلف عنها.
هي إذن مشتقات الملكية التنفيذية والمطلقة: هل يمكن لبرلماني ووزير جاء تحت مظلة كبيرة اسمها الدفاع عن ملكية برلمانية أن يستطل بمظلة التنفيذية؟
أسأل ولا أحد ملزم بالجواب، بمن فيهم العاطلين عن العمل..!