قال عبد الحميد فاتحي إن رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران ، لم يقدم قط مشروعا لإصلاح أنظمة التقاعد، وإنما سرد أمام النواب إجراءات تقنية تخص الصندوق المغربي للتقاعد وحده لا غير وتجاهل بالمطلق النقاشات التي عرفتها العشرية الأخيرة، خاصة داخل اللجنة التقنية والوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد «. وتأسف الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل من حكومة فيما يخص الحوار الاجتماعي المتعثر . وقال : « فللأسف لم نتمكن في عهد هذه الحكومة أن نعطي معنى واضحا للتفاوض والحوار خلال الجلسات القليلة التي دعا إليها السيد رئيس الحكومة، إذ كانت الخلفيات لدى الحكومة هي كيفية تبرئة نفسها من الاستفراد بالتقرير في هذا الملف الشائك، وكانت ترى ضرورة التصريف الإعلامي لإيمانها بالحوار من خلال تلك الجلسات ، مع العلم أن مفهوم الحوار الاجتماعي لدى الحكومة الحالية، انطلق دوما من منطق الغلبة
و»التفويض الشعبي»….
* قدم السيد رئيس الحكومة أمام مجلس النواب في إطار جلسة المساءلة الشهرية تصوره لإصلاح أنظمة التقاعد، كيف تنظرون إلى هذه الخطوة ؟
* فعلا، ذاك ما حدث، لكن في سياق غير متوقع ومقلق على كل المستويات، لأن السيد رئيس الحكومة لم يقدم قط مشروعا لإصلاح أنظمة التقاعد، وإنما سرد أمام النواب إجراءات تقنية تخص الصندوق المغربي للتقاعد وحده لا غير وتجاهل بالمطلق النقاشات التي عرفتها العشرية الأخيرة، خاصة داخل اللجنة التقنية والوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، وهو في نفس الآن إجراء استقوائي تجاه جزء من الشعب المغربي والمركزيات النقابية، استنادا إلى منطق الأغلبية، وأيضا إلى الشعور بالغبطة الذي لا يزال يسري في دخيلته بنتائج انتخابات 04 شتنبر الأخيرة.
* هل يعني ذلك أنكم توصلتم إلى تصور معين لإصلاح أنظمة التقاعد داخل اللجنة الوطنية وداخل جلسات الحوار الاجتماعي ؟
* لقد كان في خلفية تشكيل اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد واللجنة التقنية المتفرعة عنها، منطق الإيمان بضرورة الإصلاح، لكن في إطار التوافق والحوار والديمقراطية التشاركية، وهو الأمر الذي اشتغلت في إطاره اللجنة التقنية لقرابة العشر سنوات وتوصلت إلى المعالم الكبرى للإصلاح التدريجي، بهدف العمل في المدى المتوسط على إحداث قطبين لأنظمة التقاعد، أحدهما عام ويضم الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، والثاني خاص يضم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق المهني المغربي للتقاعد، وقد تم ذلك بناء على الدراسات الاكتوارية التي أجرتها عدد من المؤسسات الوطنية والدولية، مع التأكيد على أن للإصلاح تكلفة طبعا، لكن يجب أن تتحملها كل الأطراف وليس الأجراء وحدهم.
أما فيما يتعلق بالحوار الاجتماعي، فللأسف لم نتمكن في عهد هذه الحكومة أن نعطي معنى واضحا للتفاوض والحوار خلال الجلسات القليلة التي دعا إليها السيد رئيس الحكومة، إذ كانت الخلفيات لدى الحكومة هي كيفية تبرئة نفسها من الاستفراد بالتقرير في هذا الملف الشائك، وكانت ترى ضرورة التصريف الإعلامي لإيمانها بالحوار من خلال تلك الجلسات . مع العلم أن مفهوم الحوار الاجتماعي لدى الحكومة الحالية، انطلق دوما من منطق الغلبة و»التفويض الشعبي» مما أسهم في تدمير كل التراكمات التي تحققت في العهد السابق لهذه الحكومة، والمتمثلة في التقدم المشترك لأطراف الحوار في البحث الجدي عن التوصل إلى تعاقدات اجتماعية تحافظ على مكتسبات الشغيلة وتضمن السلم الاجتماعي، كإسهام فعلي في ثقافة الحوار والاختلاف.
*في نظركم ما هي التداعيات التي يمكن أن تنتج عن الإجراءات التي أعلنها السيد رئيس الحكومة على أوضاع منخرطي الصندوق المغربي للتقاعد ؟
* الإجراءات التي جاء بها السيد رئيس الحكومة والتي تخص الصندوق المغربي للتقاعد، لا تخرج عن المنطق العام الذي تحكم منذ البدء في ما تسميه الحكومة بالإصلاح، إذ اختارت في كل المجالات أن تتوجه إلى الحلقات الهشة في المجتمع لتزيد أوضاعها هشاشة، كما هو الحال مع المقاصة، والضريبة على القيمة المضافة، والاقتطاع من أجور المضربين، والتعامل الفج مع الطلبة الأساتذة والأطباء الداخليين والمقيمين، بحثا عن التوازنات المالية وتقليص العجوزات، إذ أن الإجراءات الواردة كلها على حساب الموظف، الرفع من سن التقاعد إلى 63 سنة إضافة 4 نقط إلى الاقتطاع من الأجر، تخفيض النسبة السنوية لاحتساب المعاش من 2,5% إلى 2% واحتساب المعاش على قاعدة معدل أجر الثمان سنوات الأخيرة بدل آخر أجر، بالإضافة إلى التمديد في سن التقاعد النسبي بثلاث سنوات، وسيكون طبيعيا جدا أن تتراجع قيمة المعاشات المدنية بنسب متفاوتة في ظل تكلفة يتحملها الموظف وحده، مما سيؤثر على القدرة الشرائية، المنهكة أصلا، لمئات الآلاف من الموظفين والمتقاعدين.
* لكن الصندوق المغربي للتقاعد أصبح يشكو من اختلالات كبيرة بين مداخيله، وما يصرفه للمتقاعدين، مما يحتم اتخاذ إجراءات من هذا القبيل.
*نحن لا ننكر أن الصندوق المغربي للتقاعد يحتاج إلى إعادة النظر في بعض المقاييس، لكن لا نريد أن نسقط في نفس المطب بعد أربع سنوات، وسنعود للموظف لنقتص منه من جديد، إننا نريد ديمومة الإصلاح في سياق المقاربة الشمولية التي توافقنا حولها في اللجنة التقنية، والتي تقضي بالموازاة مع بعض الإجراءات المقياسية في الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد الذي ينتج فقراء جدد، أن نشرع في الإصلاح الشمولي الذي يضمن ديمومة الصناديق، وهذا ليس رأينا وحدنا، إنه الرأي الذي أدلى به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للحسابات والمكتب الدولي للشغل والمندوبية السامية للتخطيط وحتى البنك الدولي، لذا يطرح علينا سؤال عريض، كيف تجاهل السيد رئيس الحكومة كل هذه المقترحات التي قدمتها مؤسسات وطنية مشهود لها بالمصداقية وحتى مؤسسات دولية، كيف تجاهل السيد رئيس الحكومة كل المقترحات التي قدمتها المركزيات النقابية، واستفرد بالتقرير في مصير مئات الآلاف من الموظفين المساهمين فعليا في بناء الدولة وتقوية روابط المواطنة، من خلال خدمتهم اليومية لمرافق الدولة ومرتفقيها.
* كمركزيات نقابية كيف ستواجهون هذا الواقع ؟
* ندرك في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، أن السيد رئيس الحكومة المعتد بأغلبيته والمنتشي بنتائج الاستحقاقات الأخيرة، قد يكون بهذا الإجراء زاد من غرز السكين في الجرح، بعد تدمير الحوار الاجتماعي وتجميد الأجور، والاقتطاع من أجور المضربين وقمع الحركات الاحتجاجية، مما يحتم علينا كمركزية نقابية أن ندخل في كل الصيغ النضالية المشروعة مع ابتداع أشكال جديدة ومحرجة دفاعا عن حقنا في الوجود ودفاعا عن الديمقراطية في البلاد الذي أضحت تعرف تراجعات خطيرة تضرب في الصميم كل التضحيات التي قدمتها القوى الوطنية والديمقراطية، لتجد الحكومة الحالية الطريق معبداً وسالكاً لتتربع على قمة جزء من السلطة.
وفي هذا السياق فإننا نستغرب كيف ضخت الحكومة المليارات في المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وهي تعرف من أين جاءت الاختلالات التي يعرفها وخاصة الشق المتعلق بالأعمال الاجتماعية، نفس الأمر بالنسبة للمكتب الوطني للسكك الحديدية، والخطوط الملكية المغربية، ولا تعيد للصندوق المغربي للتقاعد حتى المستحقات التي في ذمتها، كأن الموظفين مواطنون من درجة ثانية.
* ما هي الرسالة التي تودون توجيهها للحكومة ؟
* إن ما أقدمت عليه الحكومة، مدخل لا يخدم أي طرف بل أكثر من ذلك سيفتح الباب أمام توترات اجتماعية، بلادنا في غنى عنها، وسيعمق تباعد المسافات بين مكونات المجتمع ومؤسساته، ويضرب قيم التعدد والاختلاف ويفرض الرأي الواحد كمقدمة للتسلط والاستبداد، وسيكرس مقولة أن البرلمان ليس سوى غرفة تسجيل، وهو ما لا يساعد بتاتا على الاستمرار في الاعتقاد بأن الآفاق التي فتحها دستور 2011 لازالت قائمة، مما سيعمق الخوف على ديمقراطيتنا الناشئة وعلى مؤسساتنا السياسية.
بدل ذلك كان على الحكومة أن تبحث عن التوافق، من داخل الحوار الاجتماعي والتوصل إلى تعاقد شامل للإصلاح والقيام بإجراءات مصاحبة للحفاظ على القدرة الشرائية للموظفين، من خلال إعادة النظر في التطبيق الحالي للضريبة على الدخل، وتخفيض التحملات العائلية، وتوسيع درجات الترقي، والتعقل بدل الاعتداد بلحظة قد تكون عابرة.
*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
السبت 26 دجنبر 2015