أحالني كتاب «فتحي بن سلامة»، المعنون بـ«صراع الذاتيات في الإسلام».. على النقاش الذي دار بين علماء اللاهوت ورجال الدين المسيحيين حول الشهادة والجنة، وبين الموت في سبيل القضية أو الوطن ومفهوم الشهادة نفسه.
أثارتني عبارة «احتضار من أجل العدالة»..وهي عبارة تكشف التفكير الذي ساد في نهاية القرن ١٣ في الغرب المسيحي ، عندما كان يعيش تحولا في علاقته مع الموت والحرب.
هذا التحول تمثل في الانتقال من الحرب المقدسة،إبان الحروب الصليبية الى الحرب «الدهرية» والتس يعبر عنها بالفعل بتعبير الموت من أجل الوطن.
الاهتمام بما كتب عن هذه الدهرية ، والارتباط بينها وبين الشهادة في سبيل الوطن، قد يساعد على فهم الجدل عند العالم الاسلامي، كما يقول فتحي بن سلامة في كتابه.
لأن الأمر يتعلق بباطولوجيا الشهادة لدى الجماهير (أو المارتيروباطولوجيا)، باطولوجيا جماعية بلغة الايراني – الفرنسي فارهاد خصروخاور (صاحب كتاب شهداء الله الجدد ) عند دراسته للعمليات الانتحارية أو الاستشهادية..
ينطلق صاحب الكتاب من مقاربة مفادها ان تفسير العمليات الانتحارية ، باسباب القمع الشرس او الاحساس بالاهانة والذل غير كاف. وبدليل ان كل أنواع الاستعمار القمعي والوحشي لم تواجهه الحركات الوطنية، بالرغم من انتسابها الى الاسلام بهذه العمليات..
السؤال: اذا كان الاسلام، الذي يدوم منذ ١٤ قرنا يسمح بذلك، فلماذا لم يتم اللجوء اليها وشرعنتها سوى منذ ٢٠ سنة فقط؟
يقترح فتحي بن سلامة تفسير هذا بوجود «تحول تاريخي في العلاقة مع الموت والحرب في الحضارة الاسلامية». ولهذا لا يتردد في اللجوء الى مقالة لإرنست كانطوروفيتش، الذي درس أمر هذا التحول في المسيحية.
وقد بدأ دراسته من رسالة للكاردينال البلجيكي «ميرسيي» الموجهة في ١٩١٤ في الوقت الذي كانت فيها بلاده تحت النير النازي.. وقد حاول فيها الرد على سؤال تلقاه مفاده: هل الجندي الذي يموت دفاعا عن قضية عادلة حاملا سلاحه يمكن ان يعتبر شهيدا؟
قال الكاردينال ان الجندي الذي يموت حاملا سلاحه ليس شهيدا ، لأن الشهيد يموت بين يدي الجلادين بدون قتالهم وحسب اللاهوت المسيحي، عنده، فان الوضع الاعتباري للشهيد محدد بدقة في النصوص.
على عكس الدين الاسلامي طبعا.
غير ان الكاردينال ميرسيي يقول بان الجندي يمكنه ان يحضى بالخلاص الابدي بسبب الموت لأجل وطنه وشرفه..
وبمعنى آخر فانه لن يحصل على الشهادة وسيحصل على الخلاص الابدي ( ومن حقنا ان نأمل أن يحصل على التاج الابدي الذي يتوج جبهة الأصفياء المختارين والمصطافين )..
وفي القوت نفسه كان كاردينالا اخر، وهو الفرنسي الوطني بييو billot يرى أن
« القول بأن الموت الارادي من أجل القضية العادلة كافي لأن يضمن لصاحبه الخلاص، معناه أننا نعوض الله بالوطن، وننسى ما معنى هو الله وما معنى الخطيئة وما معنى الغفران الرباني».
التعليق المباشر :أليس هو النقاش الذي يدور اليوم بين علماء اللاهوت والفقهاء والدعاة في العالم الاسلامي؟
ألا يمكن أن يكون هو النقاش نفسه حول معنى «القتال» ومعنى «القتل» في العمليات؟…
للنقاش ..بقية
*عن صفحة فيسبوك عبد الحميد جماهري
الاحد 29 نونبر 2015