تذكِّر تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أحيانا بمقولات الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
عندما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2014 إنه “واثق من أن المسلمين هم من اكتشف القارة الأميركية في القرن الثاني عشر وليس كريستوفر كولومبوس”، الذي وصل إليها بعد ذلك بمئتي سنة”، تذكَّر الناس مقولات الزعيم الليبي معمر القذافي.
ولكن ليس ذلك كل ما يذكِّر بالزعيم الليبي، الذي منح “السلطان” التركي “جائزة القذافي لحقوق الإنسان” في عام 2010، فجنون العظمة كان جليا لدى أردوغان في خطواته الأولى على المسرح السياسي (1998)، عندما كان يردد: “مساجدنا ثُكننا، قبابنا خُوذاتنا، مآذننا حرابنا، والمصلون جنودنا، وهذا الجيش المقدس يحرس ديننا..” ثم بتطبيقه فيما بعد سياسة “الله لا يقبل الشريك، والدولة لا تقبل الشريك، وعلى الجميع أن يعي ذلك جيداً”. وكذلك قمعه تظاهرات ساحة تقسيم وحديقة جيزي بالحديد والنار في عام 2013. وانتهاء ببنائه قصرا رئاسيا جديدا بتكلفة تجاوزت 600 مليون دولار، وعلى مساحة 200 ألف متر مربع، يحرسه جنود بالأزياء الحربية الإمبراطورية العثمانية.
ولقد أصبحت عجرفة أردوغان وتهوره إزاء معارضيه، وبخاصة إزاء المفكر الإسلامي فتح الله غولن، المقيم في أمريكا، نقطة ضعف تستغلها واشنطن ضده.
وقد وضعته الولايات المتحدة في ورطة، عندما أوحت إليه بضرورة إسقاط القاذفة الروسية ولو كانت تحلق فوق الأراضي السورية، فنفذ تعليماتها وانبرى يحذر روسيا من اللعب بالنار، متجاهلا أن روسيا خاضت حروبا عديدة في تاريخها الطويل، وأن أكثر الانتصارات، التي أحرزتها كانت في حروبها مع تركيا، التي لم تخسر معها حربا واحدة.
ولكن ذلك الزمان قد ولى، وتركيا الآن عضو في الناتو – حلف الدول القوية، المستعد لنجدة أي دولة من أعضائه.
ولعل أردوغان عندما تورط في النزاع مع روسيا كان يعول على هذا الحلف.
وربما لم يدرك “السلطان” العثماني الجديد أن الحماقة، التي ارتكبها ستكون سببا لمشكلات كبرى، وأهمها:
– إغلاق الأجواء السورية بأحدث منظومات الدفاع الجوي الروسية “إس-400” أمام الطائرات الحربية التركية، التي سيتم إسقاطها في حال تحليقها في هذه الأجواء. وقد قال أردوغان إن طائراته لن تحلق بعد الآن فوق سوريا.
– حكم أردوغان على أبناء جلدته من التركمانيين السوريين، الذين يتعاونون مع “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرهما من الجماعات الإرهابية، بالانقراض البطيء، ولا سيما أن مناطقهم في سوريا ستتعرض من الآن فصاعدا لغارات مكثفة ومتواصلة.
– تركيا، وبإيحاء من الولايات المتحدة، أطلقت يد الرئيس فلاديمير بوتين، وهي تستفزه لصنع مفاجآت من السابق لأوانه الحديث عنها، ولكنها آتية من غير شك.
هذا، وربما غاب عن ذهن أردوغان ما جرى في الفضاء السوفياتي السابق، بفضل المغامرات الأمريكية:
– إذ قال وزير الدفاع الأمريكي آنذاك روبرت غيتس للرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي عام 2008 إن لديه ثلاثة أيام فقط لاحتلال تسخينفال عاصمة أوسيتيا الجنوبية، ويجب عليه الاستعجال. وسآكاشفيلي استعجل.. والنتيجة – بينة: لقد منيت أميركا بهزيمة سياسية نكراء بنتيجة النزاع لا تقل عن هزيمة سآكاشفيلي.
– وقالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند للرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش عام 2014 إنه يجب عليه توقيع اتفاقية الشراكة الانتسابية مع الاتحاد الأوروبي حتى ولو انهار اقتصاد بلاده، لأن ذلك مهم للأوروبيين.. والنتيجة – بينة أيضا: أصبحت أوكرانيا مقسمة لمصلحة روسيا. وبالتالي، فإن المصالح الأمريكية هي التي لحق بها الضرر.
– أما مولدوفا فتقف على شفا الانهيار، لأنها لا تزال تتبع التعليمات الأمريكية بحذافيرها.
– والمحظوظ الوحيد هو الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الذي يرفض الانصياع للأوامر الأمريكية.
ولكن لماذا خضع أردوغان للضغوط الأمريكية وأقدم على هذه المغامرة وهو يعلم أن الأمريكيين يستخدمونه كفئران الاختبار لاستفزاز روسيا، ولا سيما وأن “الروس (كما قال بيسمارك) يُسرجون خيولهم طويلا، لكنهم يمتطون صهواتها مسرعين!”.
عندئذ، وبغض النظر عن الضمانات، والوعود التي أعطاها الأمريكيون له، فإن مصيرا سياسيا أسود ينتظر الخليفة العثماني الجديد، الذي يأمل أشياعه وخصومه صادقين أن لا يلقى مصير القذافي المأسوي، الذي ينافي القيم الإسلامية والإنسانية.
*حبيب فوعاني صحفي لبناني