في قراءة متأنية لمشروع قانون المالية، لسنة 2016، يتأكد معطى أساسي، في سياسة الحكومة الحالية، يتعلق بالسير الحثيث نحو إنهاك الطبقات الوسطى، وتعميق الفوارق الطبقية لصالح الفئات الغنية.
ويمكن القول إن دراسة الإجراءات الضريبية، التي جاءت في هذا المشروع، تضرب في الصميم، مبدأ العدالة الجبائية، حيث لم يحدث أي إصلاح ضريبي، من شأنه إحداث نوع من التوازن بين الطبقات الغنية من جهة، و الطبقات المتوسطة والفقيرة من جهة أخرى، بتوسيع الوعاء الضريبي، وبمحاربة التهرب والاحتيال الذي تبرع فيه الشركات الكبرى.
نفس الأمر يمكن تسجيله بالنسبة للضريبة غير المباشرة، التي لا تميز بين المواد ذات الطبيعة الكمالية، وتلك التي تعتبر مواد أساسية، والتي تقع الزيادات في أسعارها على الفئات الواسعة من الطبقات المتوسطة والفقيرة.
أما إذا أخذنا مثلا الضرائب التي فرضت في قطاع البناء، والتي شملتها زيادات متعددة، فإنها ستنزل بثقلها على مجال محرك للاقتصاد، كما أنها سترهق كاهل المواطنين، في الوقت الذي تحتاج بلادنا إلى تسهيلات لإنعاش القطاع، ولتمكين المواطنين من امتلاك السكن، كحق من الحقوق الأولية.
أمثلة كثيرة يمكن تقديمها على مشروع ميزانية تم تصميمه لصالح الطبقات الغنية، في الوقت الذي من اللازم إقرار عدالة اجتماعية، عن طريق عدالة جبائية، في بلد يزداد فيه الفقير فقرا، ويزداد فيه الأغنياء مراكمة للثروات، دون أن يؤدوا أي ضريبة عليها.
إن غياب أية رؤية للإصلاحات السياسية، يوازيه غياب أي خطة للإصلاحات الاجتماعية. لقد كرست الحكومة نفس التقاليد ونفس البنية السياسية، التي أعادت إنتاج الأوضاع التي كانت سائدة قبل الإصلاح الدستوري، و عادت بالمغرب سنوات إلى الوراء، وسلكت كذلك نفس النهج، في المجال الاجتماعي.ناهيك عن إشكالية محاربة الفساد، واقتصاد الريع، والتوجه نحو نموذج ليبرالي، متخلف، أصبحت الشعوب اليوم تثور عليه، في معاقل الليبرالية، نفسها.
المغرب بلد في حاجة قصوى إلى إستراتيجية اجتماعية وإلى سياسة تضامنية، ورغم أن الشروط السياسية والثقافية والاقتصادية، غير متشابهة، بين بلدنا والبلدان الرأسمالية المتقدمة، فإن الحكومة تحاول محاكاة هذا النموذج، كما فعل الغراب عندما أراد تقليد مشية الحمامة فنسي مشيته.
*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
*بالفصيــح * عندما نسي الغراب مشيته * بقلم : يونس مجاهد
الجمعة 20 نونبر 2015