إن المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المنعقد بالرباط، بتاريخ 14 نونبر 2015، في دورته العادية باسم «الوفاء»، و بعد استماعه إلى تقرير المكتب السياسي، الذي قدمه الكاتب الأول، الأخ إدريس لشكر، والكلمة التوجيهية، التي قدمها رئيس اللجنة الإدارية، الأخ الحبيب المالكي، وبعد المناقشة العامة، يؤكد ما يلي:
وفاء حزبنا للشهيد المهدي بنبركة، الذي عاش اتحاديا واستشهد اتحاديا، مما يلزمنا أن نجعل من قضيته أمرا فوق كل المزايدات، ويزيدنا إصرارا على المطالبة بإعلان الحقيقة في ملفه، إتماما وتكريسا للمصالحة الوطنية، في إطار العدالة الانتقالية.
ويشيد المجلس الوطني بإحياء الحزب للذكرى الخمسينية لاختطاف واغتيال الشهيد المهدي بنبركة، الذي جسد مساره قيم النضال المستمر ضد الاستبداد، من أجل الاختيار الثوري لبناء مغرب ديمقراطي حداثي تقدمي، يقطع مع كل أشكال التخلف والجهل والفقر واللامساواة بين المواطنين وبين الجهات، في معانقة متواصلة، دمجت في أفق وحدوي بين تحرر المغرب، ومساندة للثورة الجزائرية، وحركات التحرر العربية والعالمية، في جبهة واحدة ضد قوى الاستعمار والتأخر.
ويحرص حزبنا على إحياء هذه الذكرى، باسم الوفاء لكل شهداء وضحايا النضال من أجل الحرية والديمقراطية، استلهاما لذلك التراث الخالد الذي تركه المهدي، ومطالبة من جهة أخرى، بالكشف عن الحقيقة في ملف الشهيد، من منطلق الحرص على إتمام المصالحة الوطنية، خاصة وأن الرسالة الملكية بمناسبة الذكرى الخمسينية أكدت على نهج المهدي بنبركة السلمي، وكونه من طينة الوطنيين الذين بصموا تاريخ المغرب الحديث.
يسجل بإيجابية ،صلابة وقوة الخطاب الملكي، بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، معتبرا أنه يمثل قطيعة من أجل التصدي لمؤامرة الانتظارية وتأبيد الجمود، لتكريس سياسة الابتزاز والريع، وعرقلة القفزة النوعية، التي ينبغي تحقيقها على مستوى التنمية والتقدم، في اتجاه الحسم السياسي لهذا النزاع المفتعل الذي طال أمده، والذي يعتبر الخاسر الأكبر فيه هو الشعوب المغاربية.
يدين بشدة الجرائم الإرهابية الوحشية، التي أزهقت أرواح العشرات من الأبرياء في باريس، والتي تأتي في إطار مخطط مدروس ومنظم، بدقة، تمثل في إسقاط طائرة روسية في سيناء، ثم العملية الإرهابية التي حصلت في لبنان.
إن المجلس الوطني، إذ يعزي عائلات الضحايا ويعبر عن مواساته وتضامنه معهم، يعتبر أن هذه الحرب الإرهابية الشرسة، ليست سوى نتاج لمؤامرة رهيبة، يغذيها خطاب إيديولوجي ديني متطرف، الذي ترصد له إمكانات كبيرة لانتشاره، وتحرك خيوطها جهات تتجاوز قوتها وقدراتها الخلايا الإرهابية المنفذة.
يعبر عن اندماجه ودعمه الكامل للحركية الاجتماعية في مواجهة السياسة الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، ومن بينها الإعلان عن الإضراب الوطني العام، بالإضافة إلى الإضرابات القطاعية والحركات الاحتجاجية. و يدعو كافة تنظيماته الجهوية والإقليمية والقطاعية، إلى مزيد من الانخراط في هذه الحركية.
كما يسجل بكل أسف، أنه رغم الإصلاحات الهيكلية، التي حصلت في ظل حكومة التناوب، ورغم المراجعة الدستورية الهامة في 2011، إلا أن النهج الاقتصادي الذي سلكته الحكومة الحالية، عصف بكل الإصلاحات، وعجز عن احتواء المعضلات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، المتمثلة أساسا، في ضعف نسبة النمو، وارتفاع حجم المديونية، واستفحال ظاهرة البطالة لدى الشباب، واستدامة الأوضاع المتردية لقطاعي التعليم والصحة، والإجهاز على مستوى عيش ودخل فئات اجتماعية عريضة، بالرفع المستمر للأسعار ولفاتورة الماء والكهرباء، في ظل جمود الأجور وتقلص فرص الشغل.
إن هذه الوضعية تعكس عدم امتلاك الحكومة الحالية لأي أفق لبناء مجتمع بديل يسعى إلى التصدي الحازم لأزمة الفساد، و الحد من الفوارق الطبقية، بل على العكس إنها لم تعمل إلا على تكريس التخلي التدريجي للالتزامات الدولية تجاه المجتمع والتوجه نحو نموذج رأسمالي متوحش.
ينوه بالتقييم الأولي الذي قام به المكتب السياسي وتنظيمات الحزب الجهوية والإقليمية والمحلية، و الذي فضح الخروقات الكبرى، التي صاحبت المسلسل الانتخابي الأخير، مما كرس ضرب مصداقية العمل السياسي، وفتح الباب، لاكتساح الدولة من طرف الفاسدين وتجار الانتخابات وسماسرة الانتهازية باسم الدين.
كما يسجل أن الإصلاح الدستوري لم تتم مرافقته بإصلاحات عميقة على المستوى السياسي والقانوني والإداري والإعلامي، بالإضافة إلى تهميش دور المؤسسة التشريعية، وتراجع الحكامة في المسارين السياسي والاقتصادي.
واستحضارا للانتخابات التشريعية المقبلة، و لما يحظى به ملف الإصلاح السياسي والانتخابي من أهمية بالغة، يدعو كل الفرقاء لحوار وطني شامل وهادئ، حول النظام الانتخابي، مما يستدعي مراجعة المنظومة الانتخابية برمتها، من لوائح انتخابية وتقطيع وأنماط اقتراع وإشراف وضمان النزاهة، ومنع استعمال المال الحرام، والتصدي لعملية استغلال الشبكات الإحسانية في الانتخابات، والاستعمال الانتهازي للمساجد والمناسبات الدينية.
يثمن المجلس الوطني، اقتراح الكاتب الأول، بالعمل على بلورة أرضية مشتركة، من أجل التصدي لبلقنة اليسار المغربي، في أفق بناء جبهة وطنية ديمقراطية يسارية، سياسية ونقابية وجمعوية، من شأنها أن تلبي طموحات فئات عريضة من الشعب، التواقة إلى الديمقراطية والحداثة، خاصة وأن الحزب، إلى جانب قوى اليسار كان دائما في قلب النضال ضد الاستبداد، وقدم مئات الشهداء وآلاف الضحايا من معتقلين ومنفيين، وعلى أكتافه وبفضل هذه التضحيات، تحققت مكتسبات ديمقراطية، لا يمكن التفريط فيها.
من هذا المنطلق، يعتبر أنه لا يمكن رهن مصير البلاد بين قطبين يمينيين ، هما وجهان لعملة واحدة، بل إن مصير الديمقراطية، رهين، كما أثبت التاريخ المغربي وتاريخ الشعوب، بتواجد قطب اشتراكي حداثي، وهو قطب قائم اليوم في المجتمع المغربي تمثله كل القوى الحية من تنظيمات سياسية وهيآت للمجتمع المدني ونقابات الشغيلة ومنظمات مهنية وفئات من الشباب المتعلم ومثقفين متنورين…
إن تجميع هذه القوى الديمقراطية والحداثية في جبهة واحدة هو الكفيل بتعزيز مقومات الصمود لتحقيق الكرامة والعدالة والمساواة، والتصدي لليمين بكل ألوانه.