من المؤكد أن تقديم أي تحليل لمن يقف وراء العملية الإرهابية الوحشية في باريس، لن يكون سهلا، لأن خيوط مثل هذه الجرائم تظل متشابكة، كما أن الكشف عن كل ملابساتها مسألة تتطلب وقتا وأبحاثا وتحقيقات. غير أن المحللين والمحققين ينطلقون عادة من بعض المؤشرات، التي قد تساعد على الفهم.
من بين هذه المؤشرات، أن مثل هذه العملية الكبيرة، التي استُعملت فيها ترسانة من الأسلحة، وعدد هام من المنفذين المباشرين وغير المباشرين، والتنسيق الذي تم للضرب في نفس اليوم والساعة، لا يمكن أن يتم إلا من طرف عقل مخطط، إستراتيجي، يتوفر على قدرات لوجيستيكية هائلة، وإمكانات لتهريب السلاح ونقله، وتحديد الأهداف، والتنسيق بين الأفراد والمجموعات، دون أن تتمكن أجهزة الأمن من الكشف عن ذلك.
كل المجموعات التي كانت تقوم بعمليات مسلحة في أوروبا خلال سنوات السبعينات على الخصوص، اتضح أن من كان يقف وراءها هي دول، إما عربية، أو من المعسكر الشرقي، إذ لم يكن من الممكن لأي مجموعة أن تتحرك فقط،بإمكاناتها الذاتية. وحتى مجموعة الألوية الحمراء في إيطاليا، تبين من بعد، أن أكبر عملية قامت بها، عند اختطاف واغتيال، آلدو مورو، رئيس المجلس الوطني للديمقراطية المسحية، لم تكن لتنجح لولا تواطؤ أجهزة الدولة والكنيسة.
من الصعب تصور قدرة خلايا معزولة بدون دعم لوجيستيكي واستخباراتي قوي، القيام بعملية منسقة، بأسلحة كثيرة ووسائل تنقل واتصال بالإضافة إلى التخطيط الدقيق.
من الممكن أن تكون هذه الخلايا الإرهابية، منتمية ل»داعش»، غير أن هذا التنظيم الإرهابي، الذي يتواجد حاليا فوق الأراضي السورية والعراقية، ويتلقى الضربات الجوية، والمواجهة العسكرية، لا يمكنه لوحده وبقواه الذاتية، القيام بمثل هذه العمليات، دون دعم من جهات أخرى.
أما على المستوى الإيديولوجي، فإن المحرضين معروفون، و لا يتطلب الأمر كثير عناء، لرصد من يبث وينشر الخطاب التكفيري المتطرف، الذي يهيئ التربة الفكرية والنفسية للإرهابيين، ويسوغ لهم ارتكاب جرائمهم.
غير أنه بالإضافة إلى توجيه أصابع الاتهام لهؤلاء المحرضين، سيكون من المفيد تعميق البحث لكشف كل التواطؤات، وتجاوز لعبة الأمم، التي تفرض الصمت عن الكثير من المعطيات والحقائق، فالذي يؤدي ثمن هذا التواطؤ، هم الضحايا الأبرياء.

*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

* بالفصيــح * من يقف حقيقة وراء عملية باريس الإرهابية * بقلم : يونس مجاهد

  • الاثنين 16 نونبر 2015

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…