مصطفى المتوكل / تارودانت

 

عندما نتامل في حقيقة وجوهر المقاصد الشرعية فسنجد ان الدين جاء ليتمم مكارم الاخلاق ويتبنى كل ما هو طيب ويحقق مصلحة انسانية ويمنع ويحرم ويحذر من كل ما يسيئ او يضر او يعطل كل ما يحقق للبشرية الخير والفضل والحياة الكريمة

فالعلة في التحليل والتحريم والامر والنهي هي انفاذ وتحقيق المصلحة الانسانية بما يضمن رجاحة العقل وسلامة الفطرة ونبل الهدف وصفاء القصد

وعندما نتامل في منطق وفلسفة المقاصد الانسانية في وضع التشريعات البشرية والانظمة الموجهة والضابطة للافعال والاقوال والعادات …فسنجد ان العقل البشري السليم يقيس مبادئه التنظيمية بمعايير تسعى لتحقيق النظام والمصلحة  العامين وانماط العلاقات ذات الصلة بكل مجالات التواصل البشري فرديا و جماعيا  وتكاملا ..وهذا وفق ما يعتقد انه هو المصلحة الراجحة بالنسبة له والتي تتغير بتغير ظروف العيش وتطور الانشطة وتقدم مستويات الفكر والمعرفة

وعندما نمعن النظر في كلا المنهجين في مجالات التكامل والتطابق بينهما فسنجدهما يضعان المصالح العليا للبشرية فوق كل اعتبار بما يضمن ان تكون الحياة الدنيوية سليمة وصحيحة وعادلة وكريمة وبناءة تسعى ليتحقق الخير للناس كافة افرادا وجماعات بغض النظر عن معتقداتهم الروحية والدينية والمادية …مع العلم ان الدين يتقدم على التشريع الوضعي الصرف بما يرتبه من اجر في الحياة وجزاء حسن او عقاب في الاخرة

ولعل من مظاهر العقل السليم للمؤمن وغير المؤمن في الحياة الدنيا هو ان يحترم كل منهما الاخر وان يتجنبا تحقيقا لنبل المقاصد الشرعية والانسانية على حد سواء كل ما يجلب المفسدة والمضرة والفتن والكراهية التي ان تجاوزت الحد الممكن تحمله فلا شك ان الشعوب او ان الشعب الواحد سيكونان الوقود والنار والضحية بسبب المختصين في اذكاء واشعال  الفتن والنعرات والقلاقل والاضطرابات …

فما الفائدة التي يجنيها الناس عندما يفتح البعض قضايا او موضوعات او ملفات تهم معتقد هذا او ذاك كان وضعيا او سماويا  ليجر كل طرف الاخر الى نقاش قد تكون من نتائجه تكفير احدهم للاخر او اتهام البعض لغيره  بانه استئصالي او ديكتاتوري او عنصري …الاول سيتقوى بانصار رايه من داخل وطنه ومن خارجه والاخر كذلك …فيجرون الامة بكاملها الى معارك لاتستمر الا اياما اوسابيع قد تخلف جراحا والاما هناك وهناك .. وقد تتحول الى ازمة لايتحقق من ورائها اي نفع او خير او مصلحة راجحة  لا في الحال ولا المـــال …

لهذا حق لنا ان نقول لاحق لاحد ان يمس بمشاعر ومعتقدات اي انسان كيفما كانت معتقداته …وله او لهم ان يتناقشوا في القضايا المشتركة او التي تحقق التكامل ولاحق لهم في ان يجروا  الوطن او الامة الى متاهات نقاش لاتستوعبه الغالبية  كما لايدرك بعضهم خلفياته وتداعياته …

وصدق ابن تيمية عندما قال …ان الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها .وانها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصل اعظم المصلحتين بتفويت ادناهما وتدفع اعظم المفسدتين باحتمال ادناهما ” من مجموع الفتاوى

وقال الامام ابن القيم ” اذا ظهرت امارات العدل فتم شرع الله ودينه .فحكم الله بالعدل جعله الله اصلا فطريا لكل حكم .كما جعل كرامة بني ادم اصلا فطريا لكل الناس . فهذه المقاصد هي الضابط الاخلاقي الحاكم فلا يجوز له ان يتعداها …”

فاين نحن  من روح بعض  المقاصد الشرعية ولا من  بعض المقاصد الانسانية ..؟…

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…