محمد الحنفي

إن أية حركة مشمولة بالادعاء، ليست إلا انفصاما بين الادعاء، وبين ما هو قائم في حركة الواقع؛ لأن الادعاء يبقى ادعاء، لا يستطيع المدعون نقله إلى مستوى الممارسة على أرض الواقع؛ ولأن الواقع يرفض رفضا مطلقا عدم ربط النظر بالعمل. وهو ما يترتب عنه بقاء النظر في واد، وبقاء العمل في واد آخر. وهو ما يتجلى، بوضوح، في عملية توظيف (الدين)، وتوظيف (النضال)، في أي (دين)، وأي (نضال). 

 

إن علينا أن نميز بين الدين، وبين توظيف (الدين). فالدين كما يقتنع به المتدينون، بعيدا عن أي تأثير خارجي، ويمارسونه بالبساطة المعهودة، ولا أحد يتدخل في شأن المتدينين، وفي ممارستهم الدينية، إلا إذا سأل هو أهل الذكر، في حالة جهله بأمور دينه، كما جاء في القرءان: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). وفي هذه الحدود، ولم يقل فاسألوا رجال الدين، كما لم يقل فاسألوا العلماء، لأنه في الدين الإسلامي، لا يوجد رجال الدين، ولا يوجد علماء إلا في إطار تحريف الدين، أو أدلجته، ومعلوم أن أهل الذكر هم العارفون، والمطلعون على أمور الدين، وخاصة ما يتعلق منها بالعبادات، كما هو الشأن بالنسبة للصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، بعد النطق بالشهادتين، وما سوى ذلك من أمور الشريعة، فإن الأمر يتعلق، بالدرجة الأولى، بالمعاملة التي تعتبر جزءا من الدين، كما جاء في الحديث: (الدين المعاملة)، وحتى يكون الدين معاملة، من المفروض أن يسود الاحترام، والتقدير بين المتعاملين في المجتمع، الذي يسود فيه التدين، سواء تعلق الأمر بالتجارة، أو بالصناعة، أو بالزراعة، أو بتربية المواشي، أو غير ذلك، مما يمارسه الناس في الحياة اليومية، مما له علاقة بالتواصل بين الناس، وانطلاقا من القوانين المنظمة للمجتمع، وفي جميع الميادين، والتي تتغير بتغير الواقع، وفي كل المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى لا نقول تطبيق (الشريعة الإسلامية)، التي تختصر في العلاقة مع المرأة، وفي تفعيل إقامة الحدود التي تسمى بالقصاص، كما جاء في القرءان: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب). فالقوانين تتفاعل مع الواقع، فتتطور به، وتطوره. أما (الشريعة)، فتفعل في الواقع، لتفرض عليه الجمود، حتى يبقى مطبوعا بالتخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وبين الدين كأيديولوجية، وكممارسة سياسية، بسبب التوظيف الأيديولوجي، والسياسي للدين بصفة عامة، وللدين الإسلامي بصفة خاصة، مما يحول الدين كأيديولوجية، إلى وسيلة قمعية، وإلى أنماط من الطقوس، تختلف من توجه مؤدلج للدين الإسلامي، إلى توجه آخر، ومن دولة تدعي أنها إسلامية، إلى دولة أخرى، ومن مكان، إلى مكان آخر، ومن زمن، إلى زمن آخر. وهو ما يعني أن الأيديولوجية، والسياسة، يحولان الدين من شأن فردي، إلى شأن جماعي، كما يحولانه من دين واحد: مسيحي، أو يهودي، أو إسلامي، إلى أديان مسيحية، أو يهودية، أو إسلامية. وهذا التعدد، هو الذي يعطي الشرعية لقيام بعض التوجهات المؤدلجة للدين، بتكفير توجهات أخرى. وهذا التكفير، هو الذي يعطي الشرعية لممارسة الاغتيالات في هذه الدولة، أو تلك، وفي هذه الجماعة، أو تلك، وضد العلمانيين، واليساريين، وضد الكتاب المنتقدين للتوظيف الأيديولوجي، والسياسي للدين بصفة عامة، وللدين الإسلامي بصفة خاصة. وما أكثر الذين تم اغتيالهم باسم الدين، وما أكثر المستهدفين بالاغتيال باسم الدين أيضا، ما داموا يناضلون من أجل تحييد الدين، ومن أجل فصله عن السياسية. 

 

كما علينا أن نميز بين النضال من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، للجماهير الشعبية الكادحة، ومن اجل تمتيعها بكافة حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، وفرض احترام الكرامة الإنسانية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بواسطة الجمعيات الثقافية، والحقوقية، والتربوية، وبواسطة النقابات، والأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية المناضلة، التي تقود النضالات الجماهيرية: الثقافية، والحقوقية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، في أفق تغيير الواقع، بصيرورته في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبين النضال الهادف إلى تحقيق المصالح الخاصة ب (المناضل)، والتي تخدم في نفس الوقت، مصالح الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للجماهير الشعبية الكادحة، والذين يعتبر (المناضل) الموظف ل (النضال)، لخدمة مصالحه الخاصة، جزءا لا يتجزأ منهم، لممارسة الخيانة في حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ونظرا لصيرورته مرتبطا ارتباطا عضويا بالطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، ونظرا للجوء إلى استغلال الإطارات، التي يقودها في ممارسة الابتزاز على أفراد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وقتل المبادرة النضالية في صفوف التنظيمات المناضلة، التي تحولت إلى مجرد هياكل جوفاء، لا أثر لها في الواقع، ولا تستطيع أن تؤثر فيه. 

 

فما هي العلاقة القائمة بين توظيف (الدين)، وتوظيف النضال)؟ 

 

وما هي الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها موظفو (الدين)؟ 

 

وما هي الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها موظفو (النضال)؟ 

 

إن العلاقة القائمة بين توظيف (الدين)، وتوظيف (النضال)، هي علاقة التقاء، واختلاف. 

 

فعلاقة الالتقاء، تختصر في كلمة توظيف؛ لأن الموظف ل (الدين)، كالموظف ل (النضال)، وفي تحقيق التطلعات الطبقية من وراء ذلك التوظيف، أي الالتقاء في الوسيلة، والغاية من استخدام تلك الوسيلة. فالوسيلة هي التوظيف: توظيف (الدين)، وتوظيف (النضال)، والغاية هي تحقيق التطلعات الطبقية للموظف ل (الدين)، والموظف ل (النضال). 

 

أما علاقة الاختلاف بين الموظف ل (الدين)، والموظف ل (النضال)، فتتمثل في: 

 

أولا: أن الموظف ل (الدين)، يسعى إلى: 

 

1) تحويل الدين إلى مجرد تعبير عن الأيديولوجية، التي ليست إلا تأويلا محرفا للدين، والشروع في إقناع الجماهير الشعبية الكادحة بذلك التأويل، أو تلك الأيديولوجية، على أنها هي الفهم الصحيح للدين. وهذا الفهم، ليس إلا فهما تحريفيا، يحول الدين الإسلامي من دين سمح، إلى دين يصير مصدرا للإرهاب، والاستبداد، حتى يصير كل متدين مضللا بالأفكار الأيديولوجية (الدينية). 

 

2) الانطلاق من الأيديولوجية (الدينية)، لبناء تنظيم سياسي، يؤطر المضللين من المتدينين، ويقودهم في اتجاه تسييد تلك الأيديولوجية (الدينية) في المجتمع، من أجل أن تصير بديلا للدين، حتى يصير كل (متدين) جزءا من التنظيم السياسي، الذي يجيش المتدينين، من أجل السيطرة على المجتمع برمته، والشروع في بناء الدولة الدينية، التي يوكل إليها خدمة مصالح موظفي (الدين)، ومؤدلجيه، وقطع الطريق أمام كل من يسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وتحقيق، وحماية الكرامة الإنسانية. 

 

3) العمل على أن تصير المواقف السياسية للحزب (الديني) الموظف ل (الدين)، مواقف (دينية)، عن طريق رفع الشعارات، التي تظهر أن (الدين) دين، ودنيا، أو دين، ودولة، وأن تصير تلك الشعارات مستقطبة لمجموع أفراد المجتمع، الذين يتجيشون ضد كل ما يخالف رأي الحزب (الديني) / السياسي، الذي يعتبر مروجيه ملحدين، وكفارا، وعلمانيين، وغير ذلك من الأوصاف التي تبيح مصادرة حقهم في الحياة، من أجل تأبيد الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال القائم، أو من أجل فرض استعباد، واستبداد، واستغلال بديل، كما يحصل الآن في تونس، وفي مصر، وقطع الطريق أمام إمكانية تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية. 

 

4) التفرغ لتطبيق ما يسميه موظفو (الدين)، ب (الشريعة الإسلامية)، التي يختصرونها في العلاقة مع المرأة، وفي إقامة الحدود، وفق ما ينسجم مع توظيفهم ل (الدين)، ومع تأويلهم الأيديولوجي للنص الديني، من أجل جعل (تطبيق الشريعة الإسلامية)، من الوسائل التي تمكنهم من تأبيد الاستبداد القائم، أو من فرض استبداد بديل، خاصة وان (تطبيق الشريعة الإسلامية)، ليس إلا إرهابا للمجتمع برمته، سواء كان أفراده متدينين، أو غير متدينين، وسواء كان المتدينون مسيحيين، أو يهودا، أو مسلمين. 

 

5) الانخراط في التنظيمات الموظفة ل (الدين)، على المستوى العالمي، والعمل معا، لجعل هذه التنظيمات تسيطر على الكرة الأرضية، حتى تعرف سيادة تطبيق الشرائع الدينية، وتوقف القوانين، التي وضعتها البشرية لتنظيم حياتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وخاصة تلك المستمدة، من الواقع، والمتلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، باعتبارها من وضع الكفار، والعلمانيين، والملحدين، الذين يجب أن لا يبقى لهم وجود على وجه الكرة الأرضية. 

 

6) توظيف الدولة (الدينية)، بمؤسساتها التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، لخدمة مصالح الحزب السياسي الموظف ل (الدين)، الذي يصير حزبا وحيدا، بعد نفي جميع الأحزاب، التي لا توظف الدين، أو تعمل على محاربة توظيف (الدين)، في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، ومن خلال خدمة مصالح الحزب الموظف ل (الدين)، الذي يصير مقدسا في المجتمع، يتم قيام أجهزة الدولة (الدينية) بخدمة مصالح موظفي (الدين): الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والذين يصيرون بدورهم مقدسين، مما يؤدي إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. 

 

وكيفما كان الأمر، فتوظيف (الدين)، ليس إلا من أجل السيطرة الأيديولوجية، والسياسية، والعسكرية على المجتمع، وهذه السيطرة المتعددة الأوجه، لا يمكن أن يترتب عنها إلا توظيف المجتمع برمته، لخدمة المصالح الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لموظفي (الدين)، في الأمور الأيديولوجية، والسياسية. وهو ما ينتج في نهاية المطاف، تحقيق التطلعات الطبقية لموظفي (الدين)، باعتبارهم حاملين لعقلية البورجوازية الصغرى، التي تركب كل المراكب المشروعة، وغير المشروعة، لتحقيق تطلعاتها الطبقية. 

 

ثانيا: أن الموظف ل (النضال)، الذي لا علاقة له بالمناضلين الأوفياء، العاملين في الإطارات المبدئية: المناضلة، والوفية للجماهير الشعبية الكادحة، يسعى إلى: 

 

1) تقمص شخصية (المناضل) الصادق، والساعي إلى الارتباط بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وتنظيمهم، وقيادة نضالاتهم المطلبية، والسياسية، في أفق تحقيق مجتمع تسود فيه الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، حتى يصير العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، منقادين له، ومصطفين وراءه، ومنضبطين لقيادته. 

 

2) بناء شبكة من العلاقات اللا تنظيمية، الهادفة إلى تكريسه قائدا للتنظيم، وإلى الأبد، والسعي المستمر إلى خلق علاقات لا تنظيمية، تهدف إلى تحقيق التسلق في مستوياته المختلفة، التي لا علاقة لها بالواقع. 

 

3) الشروع مباشرة في ممارسة الابتزاز على التنظيم، من أجل أن يصير في خدمة مصالحه، وترويج الادعاءات التي لا حصر لها، والهادفة إلى نفي أي مناضل، يمكن أن يصير منافسا له، سواء تعلق الأمر بالقطاع الذي ينتمي إليه، أو بمجموع القطاعات المنتظمة في نفس الإطار التنظيمي، الذي يقوده. 

 

4) اعتبار الممارسة البيروقراطية، هي الممارسة المناسبة لتكريس نفسه قائدا أبديا، ووسيلة لاحتكار العلاقة مع الأجهزة الوطنية، والجهوية، والإقليمية، من أجل أن يمسك بجميع الخيوط التنظيمية، التي تمكنه من إحكام قبضته على التنظيم.

 

5) عدم الاهتمام بالتكوين الأيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي، والمطلبي، حتى يبقى القائد هو مصدر المعرفة بالأيديولوجية، وبالتنظيم، وبالسياسة، وبالملفات المطلبية، باعتبارها معرفة تجعله مقصد جميع أفراد المجتمع، الساعين إلى إيجاد حلول لمشاكلهم، التي تحتاج إلى وسيط. 

 

6) استغلال اعتباره محورا، وبطريقة بيروقراطية، لممارسة الابتزاز على ذوي الحاجة إلى الوساطة التنظيمية، من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبكل الوسائل الممكنة، لتحقيق الأهداف الخاصة، المتمثلة، بالخصوص، في تحقيق التطلعات الطبقية. وبعد ذلك، فليذهب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وليذهب التنظيم الجماهيري، أو الحزبي، الذي يسيطر عليه سيطرة بيروقراطية، ويوظفه لخدمة مصالحه، إلى الجحيم؛ لأنه يفقد بعد ذلك قيمته عنده. 

 

0000000000 

 

ومن خلال ما رأينا، يتبين أن الموظف ل (التنظيم)، كيفما كان هذا التنظيم، لا يهتم بضبط التنظيم، ولا بالتعامل معه، كوسيلة لخدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما لا يعطي أهمية للتكوين الأيديولوجي، والسياسي، والتنظيمي، والفكري، من أجل فرز قيادات جديدة في المستقبل، ما دام كل ذلك يتعارض مع أهدافه الخاصة، المتمحورة، بالخصوص، حول تحقيق التطلعات الطبقية؛ لأن ما يهتم به الموظف ل (التنظيم)، هو استغلال التنظيم، الذي يصير بيروقراطيا على يده، لممارسة الابتزاز، في مستوياته المختلفة، لتحقيق أهدافه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والتي يمكن إجمالها في: تحقيق التطلعات الطبقية، ولا شيء آخر غير ذلك. 

 

وبعد الوقوف على علاقة الالتقاء، والاختلاف، بين الموظف ل (الدين)، والموظف ل (النضال)، وبعد بيان أن كلا منهما يسعى إلى تحقيق تطلعاته الطبقية، نتساءل: 

 

فما العمل من أجل وضع حد لتوظيف (الدين)، وتوظيف (النضال)، من أجل تحقيق التطلعات الطبقية؟ 

 

إن العمل من أجل وضع حد لتوظيف (الدين)، وتوظيف (النضال)، من أجل تحقيق التطلعات الطبقية، يقتضي: 

 

أولا: أن العمل من أجل وضع حد لتوظيف (الدين)، يفترض: 

 

1) الفصل بين الدين، والسياسة، حتى يبقى ما لله، لله، وما للبشر، للبشر، وحتى نلتزم بقوله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا)، وبقوله: (وأمرهم شورى بينهم)، ومن أجل أن لا ننسب إلى الله أفعال البشر، واستعباد الحكام للشعوب، والاستبداد بالسياسة، وبالاقتصاد، وبالاجتماع، وبالثقافة، وبتكريس الاستغلال. 

 

2) تجريم التأويلات الأيديولوجية للنص الديني، الذي يجب أن يحترم، ويتم التعامل معه بدون خلفية أيديولوجية، أو سياسية، حتى يتأتى فهمه فهما تاريخيا، انطلاقا من شروط وجود النص الديني، وفهما موضوعيا، وواقعيا، انطلاقا من الشروط الموضوعية القائمة، وبعيدا عن أي شكل من أشكال التوظيف، احتراما لقداسة النص، وسعيا إلى إبعاده عن أي استغلال، في أمور لا علاقة لها بالدين. 

 

3) تجريم تكوين تنظيم سياسي، على أساس الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي للدين، حتى يبقى الدين بعيدا عن أي استغلال، ومن أجل أن لا يتحول فهم الحزب للدين، القائم على أساس التأويل الأيديولوجي، من منطلق أن تكوين التنظيم على أساس ديني، يصير مخالفا للإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي تعتبر كل التنظيمات القائمة على أساس استغلال الدين، هي تنظيمات غير مشروعة. 

 

4) اعتبار استغلال المساجد لأغراض سياسية، تكريسا للاستغلال الأيديولوجي، والسياسي للدين الإسلامي، ومسا بحرمة الدين الإسلامي، وإهانة لكرامة المسلمين، ولعقيدتهم، من قبل أئمة يقترفون جريمة تفرض عرضهم على القضاء، من أجل قول كلمته في التوظيف الأيديولوجي، والسياسي للدين الإسلامي، من خلال المساجد. 

 

5) إعادة النظر في البرامج الدراسية، من أجل تطهيرها، من كل ما يؤدي إلى استباحة الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي للدين بصفة عامة، وللدين الإسلامي بصفة خاصة، حتى تصير البرامج الدراسية في مستوياتها المختلفة، غير منتجة للتفكير في أدلجة الدين، كيفما كان هذا الدين. 

 

6) وضع برنامج إعلامي عام، وخاص، لتوعية جميع المتدينين بخطورة الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي، للدين الإسلامي، ولكل الأديان، على مستقبل المتدينين، الذين يتحولون إلى طوائف تجري فيما بينها حروب طاحنة. 

 

فالعمل من أجل وضع حد لتوظيف الدين، الذي يفرض الفصل بين الدين، والسياسة، وتجريم التأويلات الأيديولوجية للنص الديني، وتجريم تكوين تنظيم سياسي على أساس الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي للدين، واعتبار استغلال المساجد لأغراض سياسية، جريمة يعاقب عليها القانون، وإعادة النظر في البرامج الدراسية، حتى تصير خالية من كل ما يوحي بإمكانية القبول بأدلجة الدين، واستغلاله على المستوى السياسي، ووضع برنامج إعلامي لتوعية جميع المتدينين، بخطورة الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي، على مستقبلهم، ومستقبل الأجيال الصاعدة، من أجل القطع النهائي مع الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي للدين، وإيجاد أحزاب سياسية، على أساس ديني، مما يحول الدين إلى طرف، لخوض الصراع الطبقي. وهو ما لا يمكن أن يتم قبوله أبدا، من أجل أن يبقى الدين، أنى كان هذا الدين، بعيدا عن الصراع الطبقي، باعتباره صراعا اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، قد يكون ديمقراطيا، في مراحل معينة، وقد يتحول إلى صراع تناحري، في مراحل أخرى. 

 

ثانيا: العمل من أجل وضع حد لتوظيف (النضال)، يفترض: 

 

1) احترام مبادئ الإطار الجماهيري، أو الحزبي، الذي ينتمي إليه المناضل، والالتزام ببرامجه النضالية، في الممارسة اليومية، والاكتفاء بالقيام بالمبادرات، التي لا تخدم إلا تحقيق الأهداف الجماهيرية، أو الحزبية. 

 

2) الالتزام بالتنظيم، وباتخاذ القرار في الإطارات التنظيمية: الجماهيرية، والحزبية، وعدم اللجوء إلى اتخاذ قرارات فردية، لها علاقة بالتنظيم الجماهيري، أو الحزبي، حتى لا يؤثر ذلك على السير العادي للتنظيم، ومن أجل قطع الطريق أمام إمكانية استنبات الممارسة البيروقراطية في الإطارات الجماهيرية، أو الحزبية. 

 

3) الالتزام بممارسة النقد، والنقد الذاتي، في الإطارات الجماهيرية، والحزبية، لتقويم المسلكية الفردية، والجماعية، ولتجنب إنتاج الممارسات الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية الخاطئة، حتى يتجنب المناضلون ارتكاب الأخطاء الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية: الجماهيرية، والحزبية، ليتجنبوا بذلك جر التنظيم الجماهيري، أو الحزبي، إلى التحريف الذي ينخر كيان الجماهير الشعبية الكادحة، وسعيا إلى جعل المناضل الجماهيري، أو الحزبي، صادقا مع التنظيم، وإلى جعل التنظيم، صادقا مع الجماهير. 

 

4) الالتزام بالمحاسبة الفردية، والجماعية، من أجل الوقوف على مدى إنجاز المهام، أو عدم إنجازها، من قبل المكلفين بالمهام، وكأفراد، أو كإطارات، والوقوف على المعيقات التي حالت دون القيام بتلك المهام، أو ساعدت على القيام بها. 

 

وما هي النتائج المترتبة عن عدم الإنجاز؟ 

 

وما هي النتائج المترتبة عن عملية الإنجاز؟ 

 

لأن دور التنظيم، هو تتبع تنفيذ البرنامج، أو عدم تنفيذه، وتتبع إنجاز المهام، أو عدم إنجازها. 

 

5) وضع برنامج جماهيري، أو حزبي، بإشراك جميع المناضلين، في الإطارات الجماهيرية، أو الحزبية، حتى يتحمل جميع المناضلين مسؤوليتهم الفردية، والجماعية، في إيجاد البرنامج الجماهيري، أو الحزبي، من أجل أن يصير تفعيل البرنامج من مسؤولية الجميع، وحتى يتحفز جميع أعضاء التنظيم، إلى عملية التفعيل، التي تعطي وجها آخر للنضال الجماهيري، أوالحزبي. 

 

6) الحرص على القيام بالعمل المشترك، بين الإطارات الجماهيرية، أو الحزبية، التي تسعى إلى تحقيق نفس الأهداف، انطلاقا من البرنامج المشترك، وسعيا إلى ترسيخ العمل المشترك، بين الإطارات الجماهيرية، أو الحزبية المتقاربة، في الميادين النضالية المختلفة، في أفق تحقيق الأهداف الجماهيرية، والحزبية، من أجل قيام جبهة وطنية للنضال، من أجل تحقيق الديمقراطية، بأبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بالقضاء على كل مظاهر الاستبداد، وتحقيق الحرية، التي تمكن الأفراد، والمجتمع برمته، من التمتع بكافة حقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بالقضاء على جميع مظاهر الاستعباد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، التي تقوم على أساس التوزيع العادل للثروة، بالقضاء على كل مظاهر الاستغلال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وتحقيق الكرامة الإنسانية، بالالتزام بمضامين الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبوضع حد لكافة أشكال الخروقات، التي ترتكب في حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وفي حق المرأة، والشباب، والعاطلين، والمعطلين. 

 

فالعمل من أجل وضع حد لتوظيف النضال، إذن، لا بد فيه من احترام مبادئ الإطار الجماهيري، أو الحزبي، والالتزام بالتنظيم الذي يقوم بدوره كاملا، في قيادة عمل المناضلين، والالتزام بممارسة النقد، والنقد الذاتي، من أجل محاصرة، ومصادرة كافة الممارسات التحريفية، التي تفسد التنظيم، والالتزام بالمحاسبة الفردية، والجماعية، التي تنصب على المهام، التي تكلف بها الأفراد، وتتكلف بها الإطارات، والعمل على وضع برنامج جماهيري، أو حزبي، بإشراك جميع المناضلين، الذين يتحملون مسؤوليتهم في الالتزام بتنفيذه في الميدان، والحرص على القيام بالعمل المشترك بين الإطارات: الجماهيرية، أو الحزبية المتقاربة، أو هما معا، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وصولا إلى اعتبار استغلال (النضال)، لخدمة أغراض شخصية ل (المناضل)، خيانة للإطار الجماهيري، أو الحزبي. وهذه الخيانة، يجب الوقوف عندها، واتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الإطار الجماهيري، أو الحزبي، من الذين لا يخدمون إلا مصالحهم. 

 

وبذلك يتبين أن توظيف (الدين) في الأمور الأيديولوجية، أو السياسية، من أجل تحقيق التطلعات الطبقية، وأن توظيف (لنضال)، من أجل خدمة المصالح الخاصة، التي تؤدي، كذلك، إلى تحقيق التطلعات الطبقية، وجهان لعملة واحدة، تهدف إلى توظيف (الدين)، و (النضال)، لخدمة أغراض لا علاقة لها لا بالدين، ولا بالنضال. وهو ما يستلزم الفضح، والتعرية، وتوعية المسلمين الذين يحرف دينهم، بما يقدم عليه موظفو (الدين)، إلى جانب توعية أعضاء التنظيمات الجماهيرية، والحزبية، بدور الموظف ل (النضال)، الذي يصير بدوره محرفا، لصالح تحقيق الأهداف الخاصة، التي لا علاقة لها بالمعنيين بالنضال، والذين عليهم أن يلعبوا دورا رائدا، في تطهير الدين من محرفيه، وفي تطهير الإطارات الجماهيرية، والحزبية، من موظفي (النضال). 

 

فهل نكون قد وفينا الموضوع حقه؟

‫شاهد أيضًا‬

الثقافة العالمية والثقافة المعولمة * عبد السلام بنعبد العالي

على عكس الرؤية الميتافيزيقية التي تفترض فكرًا كونيًّا يتعالى على الأحقاب التاريخية والفروق…