*المقال منقول عن صحيفة “القدس العربي “
باريس – «القدس العربي»
كان مقهى ليب الباريسي، مساء أول أمس الخميس، قبلة لعشرات المناضلين والناشطين المغاربة والعرب والفرنسيين وأفراد عائلة الزعيم المغربي المغربي الراحل المهدي بن بركة، للتأكيد على حقهم في معرفة مصير جثمان مؤسس اليسار المغربي الحديث ورمز حركة شعوب العالم الثالث في ستينات القرن الماضي، بعد مضي 50 عاما على اختطافه واغتياله. أمام هذا المقهى، الذي اكتسب شهرة عالمية منذ احتطاف بن بركة، تقدم لبن بركة مخبرون فرنسيون، اشتهروا بأعمال «البلطجية»، وطلبوا منه مرافقتهم، كان ذلك العمل ارتزاقا لحساب المخابرات المغربية بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، لتغييب هذا الرمز الأممي وصديق زعماء الديمقراطية الشعبية ومقاومة الهيمنة الإمبريالية الأمريكية على العالم.
كان مطلب من احتشد أمام مقهى ليب بسيطا، تحديد مصر جثمان بن بركة بعد خمسة عقود من اغتياله، تواضعت المطالب، لم تعد محاسبة من ارتكب الجريمة، لأن من خططوا ونفذوا كاشخاص غيبوا، قتلا أو اغتيالا أو مرضا، لكن المؤسسات التي خططت للجريمة، ما زالت قائمة وتخدم سياسات بعضها ما زالت مستمرة.
البشير بن بركة، النجل الأكبر للزعيم المهدي بن بركة قال إن دولتي فرنسا والمغرب تتضامنان في إقبار حقيقة اختفاء والده، الزعيم اليساري المهدي بن بركة، الذي اختطف في باريس قبل اغتياله يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر 1965.
وحدد بن بركة الابن أطراف جريمة اختطاف واغتيال وتغييب والده بالدولة المغربية وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
وقال ناشط الاتحاد الاشتراكي (الوطني سابقا) للقوات الشعبية، للـ«القدس العربي» اثناء الوقفة أمام مقهى ليب، ان مسؤولا فرنسا كبيرا كان قريبا من الجنرال شارل ديغول، أبلغه ان للمخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي دورا أساسيا في جريمة بن بركة.
وأوضح المصدر نفسه الذي كان يدرس في فرنسا إبان ارتكاب الجريمة، ان المسؤولين المغاربة الذي ارتكبوا جريمة الاغتيال أثناء احتجاز بن بركة في فيلا في ضواحي باريس، بعد اختطافه، أصيبوا بالارتباك بعد ان لفظ انفاسه الأخيرة نتيجة التعذيب والطعن، وأجروا اتصالات فورية مع محطتي الموساد والـCIA في العاصمة الفرنسية، اللتين قامتا بنقل الجثمان إلى المغرب بطائرة عسكرية أمريكية من قاعدة أورليان العسكرية، من دون ان يحدد ماذا حدث للجثمان بعد ذلك.
رواية المسؤول الفرنسي، رواية ضمن روايات متعددة، كلها تستند إلى مصادر، لكنها استناد الاستماع الشفوي، لم تحظ بتوثيق أو تأكيدات رسمية، روايات تقول ان جثمان بن بركة لم يخرج من فرنسا ودفن على ضفاف نهر السين قريبا من الفيلا التي اغتيل فيها، وإن الملك الحسن الثاني أمر بتشييد مسجد فوقه، ورواية تقول بنقل الجثمان بالطائرة وإلقائه في البحر بالمياه الإقليمية المغربية من الطائرة، ورواية تقول بدفن الجثمان في فرنسا بعد فصل رأسه الذي قدم على طاولة للملك الحسن الثاني، وأخرى تقول بوصول الجثمان إلى الرباط وإذابته، تحت إشراف إسرائيلي، بحوض أسيد في مقر للمخابرات المغربية، ورواية تقول بدفن الجثمان في ساحة مقر المخابرات في الرباط.
روايات… روايات… روايات والحقيقة ما زالت مغيبة، كجثمان المهدي، ليطل السؤال الدائر منذ 50 عاما، لماذا إصرار مرتكبي الجريمة على الصمت، وحين يحمل بن بركة الابن الدولتين الفرنسية والمغربية مسؤولية التغييب وإخفاء الحقيقة، فلأنه يدرك ان الدولتين تعرفان الحقيقة ولا أحد يجيب لماذا تصران على إخفائها، رغم تبدل الأحوال والسياسات.
الناشط الاشتراكي يقول لـ«القدس العربي» ان إصرار الدولتين على إخفاء الحقيقة يكون نتيجة ضغوط إسرائيلية وأمريكية لإخفاء دورهما في ارتكاب الجريمة.
ويوضح البشير نجل المهدي بن بركة «منذ 50 سنة، التقت المصالح التي أدت إلى اختطاف واختفاء المهدي بن بركة. مصلحة كل القوى الرجعية، النيوكلونيالية (الاستعمار الجديد)، الإمبريالية والصهيونية. وقد استمر هذا الالتقاء خلال خمسين سنة بعد هذه الجريمة، واستمرت عرقلة العدالة لمنعها من القيام بواجبها من أجل الوصول إلى الحقيقة، وذلك من خلال كل الأشكال الممكنة باسم سر الدول أو مصالح الدول التي تورطت في هذه القضية بطريقة أو أخرى».
وأضاف ان «المعركة مستمرة من أجل الحقيقة التي تقودها عائلتي مع محاميها الأستاذ موريس بيتان مستمرة مند خمسين سنة. أسئلتنا، وهي أساسية بالنسبة للعائلة، هي اليوم من دون جواب: كيف اختفى أبي؟ أين يوجد جثمانه؟ كل المسؤوليات، سواء التي تتحملها الدولة أو الأفراد، هل هي معروفة؟
ويقول البشير إن معركة الكشف الحقيقة في قضية والده ما تزال مستمرة منذ خمسين سنة، وأن القرار السياسي من أجل وضع حد للأنشطة النضالية لوالده بات معروفا أنه صادر عن أعلى سلطة في الدولة المغربية، و«تم تكليف المصالح المغربية القامعة بالتنفيذ (وزارة الداخلية، الأمن الوطني، الكاب1)، والذي وجد دعما من طرف مصالح أجنبية (مصالح الاستخبارات الخارجية الفرنسية، الموساد الإسرائيلي، الاستخبارات الأمريكية) بالإضافة إلى الأشرار» كما تم الإقرار بأن أبي تم طلب مرافقته من طرف رجال شرطة فرنسيين، وتم نقله إلى منزل أحد هؤلاء الأشرار، وهنا اختفى له كل أثر. ومنذ ذلك الوقت، فإن سر الدول المتورطة في هذه الجريمة يحول دون قيام العدالة بواجبها والبحث عن الحقيقة.
وأضاف أن «المغرب وفرنسا لا يمكنهما الاستمرار في هذا الجمود والتملص الذي يحول دون السير العادي للعدالة. وسوف يكبران إذا تحملا مسؤوليتهما حتى تظهر الحقيقة في واضحة النهار وتأخذ العدالة مجراها».
وقال بن بركة الابن أن هناك طرقا متعددة من أجل الوصول إلى الحقيقة حول مصير والده «هناك ما تتضمنه أرشيفات مختلف مصالح الاستخبارات التي شاركت في الجريمة، والتي ما زال يحميها سر الدفاع. هناك أيضا الشهادات. فعدد من «الشهود» المغاربة – أحيانا هم فاعلون – حول ما وقع ما زالوا على قيد الحياة» مثل الجنرال دكوردارمي حسني بن سليمان، قائد الدرك الملكي حاليا، الذي «كان مطلعا على ما يجري في باريس، وهو يعرف العديد من جوانب الحقيقة. إن واجبه الأخلاقي وضميره ينبغي أن يدفعا به إلى قول ماذا يعرف عن مصير المهدي» بالإضافة إلى أشخاص آخرين ما زالوا على قيد الحياة أتمنى لهم حياة طويلة حتى يعود لهم الضمير ويتمكنوا من إراحته».
وأوضح أن قرار «السلطات المغربية» بتصفية والده «تم إسناده إلى الذين أبرزوا مقدراتهم في قمع الشعب المغربي في معركته من أجل الديمقراطية والعدالة والتقدم»، متهما وزير الداخلية الأسبق محمد أوفقير وأحمد الدليمي، مدير الأمن الوطني الأسبق، و»الكاب 1″ في شخص العشعاشي، ميلود التونزي، وغيرهم.
وشدد البشير في تصريحاته على أنه لو كانت هناك إرادة سياسية للوصول إلى الحقيقة، فإن أولى الخطوات التي يجب القيام بها هو البحث في «النقطة الثابتة 3F» وهو مركز للاعتقال السري، ويقع خارج القانون وكل مراقبة قضائية. وقد تم الإقرار أن ثلاثة من بين المجرمين الأربعة الفرنسيين المتورطين في الاختطاف تم حجزهم وتصفيتهم، وربما دفنهم بعين المكان»، موضحا أن «مختلف قضاة التحقيق الفرنسيين المكلفين بهذه القضية طالبوا بالتفتيش في هذا المكان، ولم يتم التجاوب مع أي طلب من هذه الطلبات والمثير قرار هيئة الإنصاف والمصالحة ورئيسها الذي لم يدخل المكان والذي يعرف بوجوده، حيث إن «وفدا» من هذه الهيئة عاد منه ولم يتجاوز الباب».
كانت غيثة بناني، أرملة المهدي إلى جانب أولادها تشارك صامتة بنداء البحث عن مصير زوجها، وكان ناشطون يساريون مغاربة يتكاتفون حول العائلة مطالبين بالكشف عن الحقيقة، حقيقة الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق زعيمهم الروحي الذي لا زالوا يستلهمون من أفكاره مسارهم والخروج من مأزق اليسار المغربي الذي لم يستطع التوحد حول إحياء ذكرى مؤسسه، وكان هناك أيضا حقوقيون فرنسيون وأمميون يتذكرون بن بركة ويصرون على إبقائه حيا إلى جانب تشي غيفارا.
محمود معروف
*المقال منقول عن صحيفة “القدس العربي “
منشور بها يوم الجمعة 29 اكتوبر 2015