كشفت المعطيات الصادمة المفصلة عن الإحصاء العام للسكان، والذي قدمه المندوب السامي للتخطيط بداية الأسبوع الذي نودعه، عن تقدم خارطة سكن مثيرة للقلق، تعري حقائق السياسة الحكومية وزيف ادعاءاتها.
فقد سجلت المعطيات المقدمة رسميا ارتفاع العجز السكني و تراجع وتيرة الإنجاز في السوق العقاري، واستفحال المدن الصفيحية وانتشار الأحياء العشوائية المحيطة بالمدن..
أرقام الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014 ، أعطت الدليل المادي على أن 5.6 في المئة من الأسر المغربية تعيش في دور الصفيح، وهذا معناه أن الأمر يتعلق بما يزيد عن 420 ألف أسرة مغربية ، وإذا ما أخذنا في الاعتبار متوسط الأفراد في كل أسرة (5) ، فإن الدليل قائم على أن أزيد من (2 ) مليوني مغربي مازالوا يعيشون في دور الصفيح، ودون المستوى الكريم المطلوب في السكن.…
ومن مفارقات هذا الوضع، أن المعطيات الجديدة، تم الكشف عنها بعد أقل من أسبوع على تعميمنا لمعطيات تتعلق بالصنادق المتعلقة بالحسابات الخصوصية ومنها حساب التضامن من أجل السكن.
فقد بينت المعطيات المنشورة أن حساب التضامن من أجل السكن بلغ رصيده نهاية غشت نحو 7.3 مليار درهم كفائض غير مستعمل، هذا في الوقت الذي يعرف فيه »العجز السكني في المغرب تفاقما مقلقا بسبب التراجع الكبير في عدد المشاريع السكنية الجديدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، الشيء الذي ينتج عنه تردي ظروف سكن المواطنين، من جهة، واستمرار غلاء العقار الذي بلغت أسعاره مستويات جنونية، من جهة ثانية«.
وهي نفس الخلاصة التي يقوم عليها تقرير المندوبية السامية للإحصاء المشار إليه أعلاه.
وإذا كنا اخترنا السكن كمؤشر على ابتعاد السياسة العامة للحكومة عن الانشغالات الاجتماعية للمواطنين، فإن ذلك لا يعني أنه المثال الأخير، بقدر ما هو المثال الصارخ.
ويعرف المتتبعون التدبير الحكومي بأن
قيمة الأرصدة المالية المجمدة من طرف الحكومة في إطار الحسابات المرصودة لأمور خصوصية بلغت زهاء 100 مليار درهم في متم غشت المنصرم. ونتج هذا الرصيد عن الفارق بين الموارد المعبأة لفائدة هذه الحسابات، والتي تتكون من الصناديق الخاصة الموجهة لتنفيذ سياسات الدولة في مجال التنمية البشرية والاجتماعية، والنفقات التي صرفت فعليا في إطارها.
وتنسحب تغطية مناطق أنشطتها على كل ما له ، افتراضيا، علاقة بالتنمية البشرية والقضايا الملحة.
والسؤال الذي يحق للرأي العام أن يعرف جوابه هو:لماذا تختار الحكومة اللعب على النبرة الاجتماعية ، الاحسانية في عمقها عوض توظيف هذه الحسابات في أنشطة محكومة بالقوانين المنظمة لهذه الحسابات الخصوصية؟
هنا يكمن السؤال الوجيه الذي ينتظر المغاربة الجواب الشافي عنه، لا سيما إذا علمنا أن حسابا من بين الحسابات لم يصدر فيه التجميد وهو الحساب المخصص لحصة الجماعات المحلية من الضريبة على القيمة المضافة . فرصيد الحساب نهاية غشت بلغ نحو 7.5 مليار درهم مقابل 11 مليار درهم في بداية 2014، أي أن نفقات هذا الحساب خلافا لحسابات التنمية البشرية والسكن والطرق، كانت خلال العام الماضي أكبر من موارده بنحو 3.5 مليار درهم…، والأمر الذي لا يخفى على أحد، هو تزامن هذا السخاء مع الانتخابات المحلية.!.
وفي ذلك عنصر للقراءة في الفارق بين التنمية الحقيقية والتنمية «المخدومة».
*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الجمعة 16 اكتوبر 2015