لاشك أن المتتبعين للحياة السياسية في بلادنا، يشهدون فصلا آخر من «الخصوصية» المغربية، التي تختلط فيها الأوراق وتوزع، لفرز الرابح والخاسر، وبعده تجمع وتخلط، لتوزع من جديد، لمواصلة التباري، كما يحدث في لعبة «الكارطة».
تواصلت هذه اللعبة في انتخابات رئاسة مجلس المستشارين، حيث شاهدنا كيف ضاعت الحدود بين الأغلبية والمعارضة، وكيف اختلفت المعارضة، حول الرئاسة، ثم كيف حصلت اصطفافات غير منسجمة، داخل الأغلبية الحكومية.
اللعبة كانت قد بدأت في تشكيل مجالس الجماعات والجهات، ثم تواصلت في انتخابات مجلس المستشارين، لتتواصل في انتخاب رئيسه…
في كل مرة تظهر تحالفات جديدة، لا يجمعها أي منطق سياسي أو إيديولوجي، أو حتى برنامج حكومي، بل إن تفسير ما يحصل، يتطلب مناهجَ أخرى في التحليل، أساسها المنفعة الآنية، والتوافقات المصلحية، والحسابات الشخصية… ويحق للمواطن، الذي من المفترض أنه صوت لبرنامج معين، أو لتوجه سياسي وإيديولوجي واضح، أن يتساءل عن مصير صوته.
طبعا، التحالفات والتوافقات تحصل حتى في أعرق الدول الديمقراطية، لكنها تبنى على اتفاقات شفافة وعلنية، وتظل منسجمة، ولا تتغير من أسبوع لأسبوع، كما يحصل في المغرب، بل هناك عدد من الأحزاب لا تضمن حتى وجهة التصويت، للذين فازوا باسمها.
هناك خلل ما، ينبغي أن يصحح في الحياة السياسية المغربية، لأن الديمقراطية تبنى على الوضوح، وليس على الغموض وخلط الأوراق، الذي يخدم دائما، المعادين لها، لأن هذا الوضع يبرر تبخيس الفعل السياسي، والنخب، والمشاركة في الشأن العام.
من المعروف أن اليمين، بصفة عامة، خاصة في البلدان التي لم تتعود على الثقافة الديمقراطية، يفضل هذا الوضع الغامض، لأن الوضوح الفكري والاصطفاف و الاستقطاب، بناءً على مواقف فكرية واضحة ووعي سياسي متقدم، لا يخدم مصالحها.
لذلك، من غير الممكن تصور أي بناء ديمقراطي في ظل الخلط، كما يحصل الآن، في المغرب، لأن في ذلك استخفافاً بالالتزام السياسي، مقابل تمجيد النفعية والمصلحية، حيث تتحول اللعبة السياسية إلى لعبة الكارطة.
*بالفصيــح * لعبة «الكارطة» * يونس مجاهد
*عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
*الاربعاء 14 اكتوبر 2015