كشفت انتخابات الغرفة الثانية أن جزءا من الاقتراع والنتائج التي سترتب عنه، هما خارج قواعد اللعبة المتفق عليها.
فقد اتفقت القوى السياسية، معارضة وأغلبية على أن يتم الاحتكام إلى الشفافية والقانون، وعلى قيم التنافس النزيه، سواء من حيث إعلان النوايا أو في المصادقة على القوانين والمدونات الخاصة بالانتخابات، في تحديد تركيبة الغرفة الثانية حتى يتسنى لها القيام بدورها الجديد وفق التدبير الجديد لإحدى مؤسسات الدولة الحديثة.
لكن الذي حدث، هو أن الاقتراع تم بطريقة دفعت إلى أن جاهرت اللجنة الثنائية لمتابعة الانتخاب والتي تتألف من وزيري الداخلية والعدل والحريات،بفتح تحقيق حول موضوع الارتشاء.
فقد أعلنت اللجنة الحكومية المكلفة بتتبع الانتخابات ذاتها،أنه »قد بلغ إلى علمها أن بعض المنتخبين برسم انتخابات مجلس المستشارين يشتبه في ارتكابهم لجرائم انتخابية تتعلق باستعمال المال لاستمالة الناخبين . وأوضحت أن القضاء سيقرر طبقا للقوانين في الحالات المعنية« . اللجنة المعنية مباشرة بالاشراف على الانتخابات، عبرت عن وجود رشوة انتخابية فاقت كل التخوفات، وهو ما أكدته الحكومة، بشكل قبلي على لسان وزير من وزرائها يقود حزبا حليفا.
وهو مايعني أن هناك إقرارا حكوميا بالغش في الاقتراع وما سيليه.
وهناك إقرار رسمي بأن المال كان أكبر الناخبين ، وأكبر اللاعبين..
وللرأي العام أن يتساءل: هل ما شككت فيه الحكومة، عبر ما تناهى إليها عبر اللجنة المكلفة بالاقتراع أو عبر تصريحات وزير فيها، يمكن أن يشكل قاعدة للثقة تقنع الرأي العام بأن الذين كلفوا بالإشراف على استكمال هندسة الدولة، فالأمر قبل وبعد، يتعلق بتدبير مفاصل الدولة، بعد تغيير طبيعتها ؟.
لقد كنا نسعى، من خلال دستور 2011 إلى تغيير طبيعة الدولة ، من خلال تغيير هندستها وتوازنات السلطة فيها ومن خلال إعادة تشكيل العلاقة بين المركز والمحيط، لكن الذي يحصل أن هناك طبيعة لا تتغير، تمس في العمق، تدبير الحقل السياسي وضرب مصداقيته وتعزيز أدوار الفساد في بناء المؤسسات. وهو أمر خطير للغاية، لا يمكن إغفاله أو تجاوزه… في الوقت الذي توجد فيه بلادنا تحت المجهر، دوليا وإقليميا.
*عن جريدة الاتحاد الاشتركي
الثلاثاء 6 اكتوبر 2015