أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط اجتهادا تاريخيا ومبدئيا يكرس المناصفة الانتخابية ويبطل العملية الانتخابية التي لم تراع التمثيلية النسائية،لأن مجموعة من اللوائح الانتخابية المطعون فيها لم تنتخب فيها لمنصب نواب الرئيس أي مترشحة مطلقا أو لم يتم ترشيح فيها الحد الأدنى المتمثل في الثلث بالمخالفة للفقرة السادسة من المادة 17 من القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات الترابية الناصة على أنه ” يتعين العمل على ان تتضمن لائحة ترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لا يقل عن ثلث نواب الرئيس ” .
وهكذا أثيرت بصدد انتخاب مكاتب مجالس الجهات ومكاتب الجماعات إشكالية التمثيلية النسائية -كما أثرناها سابقا في مقال لنا مدافعين عن وجوب احترام مبدأ المناصفة- بين الوجوب والاختيار وما يترتب عنه من إبطال أو مشروعية بحسب الحالة للعملية الانتخابية. فانتصر عمل المحكمة الإدارية للرباط-بخصوص الحكم رقم : 4295بتاريخ : 01/10/2015ملف رقم : 362/7107/15،موضوع الطعن المتعلق بالغاء انتخاب المكتب الجماعي للرباط ،وكذا الحكم رقم 4193 بـتـاريخ 29/09/2015 ملف عدد : 350/7107/ 2015 موضوع الطعن المتعلق بالغاء انتخاب المكتب الجماعي لجماعة أولاد علي منصور قيادة بني حسان تطوان – لصحيح الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية من خلال الارتقاء بمبدأ المناصفة إلى مبدأ إلزامي واجب الاحترام والنفاذ بقراءة اجتهادية تراعي روح التشريع وأسباب النزول وتستحضر الاتفاقيات الدولية وتبتغي تجاوز معيقات تحسين تمثيلية النساء سواء أكانت اجتماعية أو سياسية بفرض وجوب تحقيق المناصفة الانتخابية للدفع بالتمثيلية النسائية لمراكز القرار في المجالس الجماعية وتأهيلها للمساهمة في التنمية .
وأسس الاجتهاد القضائي للمحكمة الإدارية بالرباط مرتكزاته الرصينة في تأسيس وجوب احترام مبدأ المناصفة على الأسس التالية :
1-تنصيص المشرع بصيغة الوجوب المتمثلة في عبارة “يتعين” على ضرورة مراعاة التمثيلية النسائية في تشكيلة المكتب المسير للجماعة بنسبة الثلث على الأقل، وهو مقتضى يبقى واجب التفعيل
2- التدابير القانونية التي تفرضها المادة الثالثة من الاتفاقية الدولية المصادق عليها من طرف المغرب المتعلقة بمناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة
3-التنزيل التشريعي المتدرج للمبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 19 من الدستور الذي يلزمها بالسعي نحو تحقيق المناصفة بين النساء والرجال،
4-أهداف وغايات المناصفة : ضمان مشاركة أوسع للمرأة في الحياة العامة عن طريق سن مجموعة من الإجراءات التي تستند إلى مبدأ التمييز الإيجابي لصالح المرأة بفرض حضورها في المجالس المنتخبة استنادا إلى مبدأ “الكوطا”، وذلك من أجل النهوض في مرحلة أولى بوضعها داخل المجتمع بما يساهم في تحقيق الشروط المجتمعية والسياسية التي تجعل المرأة قادرة على الوصول في مرحلة ثانية إلى مواقع المشاركة في الحياة السياسية بدون الحاجة إلى إجراءات التمييز الإيجابي المشار إليها، بمعنى أن هاته الأخيرة تبقى مجرد إجراءات مؤقتة ينقضي العمل بها عندما تتحقق المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة في شتى المجالات بحكم الواقع وليس بالاستناد إلى مثل هاته التدابير.
5-تنزيل مبدأ التمثيلية النسائية على مستوى لوائح ترشيح نواب رئيس المجلس الجماعي يبقى مقيدا بعدم تحقق ما يجعل ضمان هذه التمثيلية متعذرا، وهو ما يعني أن الإلزام الوارد بالمقتضى القانوني المذكور لا ينصب على ضرورة مراعاة التمثيلية النسائية في لوائح الترشيح بشكل مطلق في جميع الأحوال، بل يتعلق فقط بضرورة مراعاة هاته التمثيلية كلما كان ذلك ممكنا.
6-تفسير مفهوم تعذر تطبيق المناصفة بالتعذر الموضوعي لا الشخصي،فرفض النساء المنتمين للائحة لا ينهض عذرا مقبولا لعدم مراعاة التمثيلية النسائية لأن صيغة المادة المذكورة حسب المحكمة قد فتحت المجال لعدم تطبيق مقتضياتها على إطلاقها في حال تعذر ذلك، بكونها حالة استثنائية لا يُتوسع في تطبيقها، الأمر الذي لا يستقيم معه تقدير هذا الظرف الاستثنائي من خلال معيار شخصي مرتبط مثلا برفض عضوات المجلس الجماعي الترشح ضمن لوائح نواب الرئيس استنادا إلى رغبتهن المجردة في عدم الترشح بدون تبريرها بمعطى موضوعي مقبول، لأن ضمان مشاركة المرأة في مكتب الجماعة ليس حقا شخصيا للمرأة المنتخبة فحسب، وإنما هو حق لكل المجتمع الذي يفترض أن يكون هذا المقتضى القانوني قد جاء معبرا عن تطور المشترك الثقافي بين أفراده وبلوغه المدى الذي ساد معه الاقتناع بضرورة الدفع بالمرأة نحو مراكز القرار، بما يساهم في تحقيق مبدأ المساواة بينها وبين الرجل باعتبار تنزيل هذا المبدأ من مداخل التنمية والتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ،لأنه كما ذهبت إليه المحكمة عن حق أن ضمان مشاركة المرأة في مكتب الجماعة أنه ليس حقا شخصيا للمرأة المنتخبة فحسب، وإنما هو حق لكل المجتمع.
7-تنصيص المشرع على اللائحة النسائية في الانتخابات الجماعية يعني استحضار مبدأ انسجام النصوص القانونية وتكاملها نحو تحقيق المناصفة،لأن القبول بالمشاركة في اللائحة هو قبول للمشاركة في نتائجها، فاعتبرت المحكمة أن القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الترابية جاء قاطعا في إلزامه بتخصيص عدد من المقاعد النسائية بما يضمن حضور المرأة بشكل مسبق في المجالس الجماعية، لذلك لا يبقى للنساء اللواتي اخترن الترشح لعضوية هاته المجالس المجال بعد ذلك للرفض المستند إلى مجرد الرغبة الشخصية في عدم الترشح في لوائح نواب الرئيس، لأن مثل هذا الرفض يعاكس أهداف المشرع ويفرغ جميع المقتضيات القانونية ذات الصلة من مضمونها، ولأن فوز المترشحات في الانتخابات المتعلقة بأعضاء مجلس الجماعة بعد قبولهن المشاركة فيها يستتبع ضرورة التزامهن بما يترتب عن هذه العضوية من واجبات يقتضيها المنصب الانتخابي الذي سعين إلى الترشح له، و يقتضي انضباطهن لما يفرضه القانون من ضرورة مشاركة النساء بنسبة الثلث كحد أدنى في لوائح الترشيح لنواب الرئيس تحقيقا لأهداف المشرع ولحق المجتمع في ضمان الحضور الفعال للمرأة في تسيير المجلس الجماعي. غير أن تحقق حالة التعذر لسبب موضوعي خارج عن الرغبة المجردة للمنتخبات يجعل لوائح الترشيحات المقدمة بدون التوفر على نسبة الثلث من النساء صحيحة، كما في الحالة التي يكون فيها الحزب أو التحالف الحزبي الذي قدم اللائحة غير متوفر على عدد كاف من المنتخبات في المجلس الجماعي لهن نفس الانتماء لهذا الحزب أو لأحزاب التحالف.
ودللت المحكمة غياب السبب الموضوعي المبرر للنزول كليا أو جزئيا عن مبدأ المناصفة في الطعن المتعلق بانتخاب مكتب المجلس الجماعي بالرباط بكون الثابت من خلال ما راج بجلسة البحث المجرى في النازلة أن عدد نواب الرئيس بالمجلس الجماعي لمدينة الرباط هو عشرة أعضاء وأن لائحة النواب التي تقدم بها رئيس المجلس وفازت بالرتبة الأولى تضمنت ثمانية مرشحين ذكور ومرشحتين من النساء فقط، مما يجعلها مخالفة للقانون ما دام أن العدد المطلوب لبلوغ عتبة الثلث على الأقل في النازلة هو أربع مرشحات كحد أدنى، وهو ما كان بالإمكان تحقيقه ما دام أن من بين أعضاء المجلس الجماعي للرباط توجد 13 عشر عضوا من العنصر النسوي تنتمين للتحالف الحزبي المُمَثّل في لائحة نواب الرئيس الفائزة حسب الثابت من جلسة البحث، منهن ثمان نساء عن حزب العدالة والتنمية واثنتين عن حزب التجمع الوطني للأحرار وواحدة عن حزب الاتحاد الدستوري وواحدة عن حزب الحركة الشعبية وأخرى غير منتمية حزبيا، مما يتضح معه أنه كان من المتيسر تقديم عدد من المرشحات بما يحقق نسبة الثلث أو أكثر طالما أنه لم يثبت تعذر ترشيحهن استنادا إلى مبرر موضوعي مقبول.
في حين استندت المحكمة في تبريرها المقنع على غياب السبب الموضوعي المبرر لتجاوز مبدأ المناصفة في الطعن المتعلق بانتخاب مكتب المجلس الجماعي لجماعة أولاد علي منصور قيادة بني حسان دائرة تطوان في كون أن عدد نواب الرئيس بجماعة أولاد علي منصور هو أربعة أعضاء وأن لائحة النواب التي تقدم بها رئيس المجلس وفازت بالرتبة الأولى لا تتضمن أي مرشحة بالرغم من أن تطبيق نسبة الثلث على الأقل المفروضة بنص المادة 17 أعلاه يقتضي أن تتضمن هاته اللائحة الفائزة مرشحتين كحد أدنى، مما يجعلها مخالفة للقانون خاصة أن من بين أعضاء المجلس الجماعي يوجد أربع عضوات من النساء وكان بالإمكان تضمين اللائحة مرشحتين أو أكثر في ظل عدم ثبوت تعذر ترشيحهن استنادا إلى مبرر موضوعي مقبول”.
وانتهت المحكمة في الطعنين معا إعمالا لمقتضيات المادة 32 من القانون التنظيمي رقم 59.11 المحال إليه بنص المادة 31 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات في شأن شروط الطعن في أجهزة مكتب الجماعة، أن ثبوت مخالفة عملية الانتخاب للإجراءات المقررة قانونا يوجب الحكم ببطلانها، لكونه بالرجوع للنازلة فإن عدم تضمن لائحة نواب الرئيس الفائزة في الاقتراع للتمثيلية النسائية المقررة في المادة 17 المشار إليه أعلاه يجعلها مخالفة للإجراءات القانونية المعمول بها في شأن ضوابط لوائح الترشيح، الأمر الذي يكون معه انتخاب نواب رئيس المجلس الجماعي محل الطعن واقعا تحت طائلة البطلان ويتعين الحكم بإلغائه مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك”.
ومن وجهة نظرنا نعتبر أن تأسيس المحكمة حكمها المبدئي على صيغة المادة 17 المذكورة بكونها وردت على سبيل الوجوب واللزوم بدليل استعمال عبارة“يتعين “ تفسيرا سليما طالما أن صيغة اللزوم والوجوب تعني بداهة ترتب الإبطال عن أي خرق لقواعد الانتخاب ،مادام أن القاعدة هي إجبارية، ومن النظام العام المطلق التي لا يسمح بمخالفتها ،أو بالاتفاق على خلاف مقتضياتها،لأنها ليست مجرد قاعدة مكملة .
ودليلنا في اعتبار قاعدة احترام التمثليلة النسائية في انتخاب نواب الرئيس بما لا يقل عن الثلث من النظام العام،فضلا عن صيغتها الإجبارية هو ربطها بعدم جواز النزول عن الثلث ،لأنه لو كانت القاعدة اختيارية مكملة لما كان المشرع في حاجة لربطها بنصاب معين في حده الادنى لا يجوز مخالفته ،وسترتب عنه إفراغ الدستور والقانون التنظيمي من محتواه بل وروح المناصفة التي يتبناها،كما أن محاولة ربطها من طرف البعض بكونها اختيارية فقط يتناقض والتنصيص التشريعي عليها ،ويعد في الحقيقة انقلاب على هذه المقتضيات القانونية ،لأن مثل هذا التفسير لا يعدو أن يكون عاكسا لواقع متسم بتجاوز التمثلية النسائية ،يجعل النص التشريعي لم يضف شيئا جديدا لواقع الحال ،فيحين أن الهدف من التشريع والغاية أصلا منه هو سعى المشرع إلى تحقيق المناصفة وتحسين التمثيلية النسائية الانتخابية ،والتي بدونها يغدو التشريع في هذا الجانب مجرد أحلام وأماني وتمنيات لا تتوافق وطبيعته ومرماه وأسباب نزوله .
ومما لاشك فيه فإن الفقه والقضاء أجمعا على أن القواعد الدستورية تعتبر في أعلى الهرمية التشريعية بحيث تحتل مكانا متقدما في أعلى الهرم القانوني لكونها تتربع على عرش التشريع طبقا للفصل السادس من الدستور الناص على أنه تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها مبادئ ملزمة .
وهكذا تبعا لذلك تنص الفقرة الثانية من الفصل 19 من الدستور نصت على أنه” تسعى الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء.”
ولا مراء أن ارتباط التمثلية النسائية وتحسينها ورفعها إلى درجة الالزام والاجبار القانوني في المادة 17 من القانون التنظيمي 14-113 المتعلق بالجماعات الترابية يدل دلالة اكيدة من المشرع على ضرورة احترام هذه التمثيلية والخضوع لها باعتبارها قاعدة آمرة من النظام العام لا يجوز مخالفتها أو النزول عن مقتضياتها.
ومن المهم الإشارة أن دورية وزارة الداخلية رقم 3834 D الصادرة بتاريخ 4 شتنبر 2015 حول موضوع انتخاب رؤساء مجالس الجهات و مجالس الجماعات و نوابهم و كتاب المجالس المذكورة و نوابهم أكدت على الطابع الالزامي للتمثيلية النسائية ونصابها مؤكدة على ما يلي ” و تجدر الإشارة إلى انه يتعين أن تتضمن كل لائحة من اللوائح المقدمة مترشحات لنواب الرئيس لا يقل عددهن عن ثلث النواب طبقا لأحكام المادة 17 من القانون التنظيمي 113-14 “
وتبرز أهمية هذه الدورية وصيانتها للمناصفة الانتخابية كونها تم تدعيمها بدورية أخرى أكثر تشبتا بمبدأ المناصفة و أكثر تقيدا بالطابع الإجباري للتمثيلية النسائية ،وهكذا جاء في دورية وزارة الداخلية رقم 5684 الصادرة بتاريخ 8 شتنبر 2015 حول موضوع : انتخاب رؤساء مجالس الجهات و مجالس الجماعات و نوابهم و كتاب المجالس المذكورة و نوابهم ما يلي :
3- التمثلية النسوية داخل مكاتب مجالس الجهات و مجالس العمالات
ينص كل من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات و القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية على انه : يتعين العمل على أن تتضمن لائحة ترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لا يقل عن ثلث نواب الرئيس.
” و في هذا الإطار فإنه يتعين العمل على تفعيل المقتضى السالف الذكر ، و في حالة تعذر ذلك ، يمكن ملأ الخصاص من خلال إدراج مترشحين ذكور في لوائح الترشيح تفاديا لعدم اكتمال تكوين مكتب المجلس المعني ” .
وحالة التعذر من وجهة نظرنا هنا مرتبطة بمعطى موضوعي وليس شخصي يتعلق بعدم وجود تمثيلية نسائية أو عدم كفايتها وليس المقصود منه بالمرة إقصاء التمثيلية النسائية من الترشح،لأنه لا يمكن الحديث عن الاستعاضة بالرجال إلا في حالة عدم وجود نساء أو عدم وصول نصابهن للثلث ،فرفض النساء الترشيح ضمن اللوائح لا يعتبر مبرر موضوعي وإنما مبررا شخصيا لا يستقيم وروح المناصفة وسعي المشرع إلى تحسين التمثيلية النسائية لتعزيز مساهمتهم في الشراكة على مستوى اتخاذ القرارات وهياكل المجالس المحلية .
والحقيقة أن مجموعة من اللوائح الانتخابية المطعون فيها تجاهلت معطى موضوعي يتجلى في وجود عدة مرشحات تم إقصائهن ضدا على الدستور والقانون والدورية التنظيمية التفسيرية بنزوعات ذكورية مغرقة في التقليدانية
ولاشك أنه متى كان النص واضحا في إجبارية التمثيلية النسائية فإنه لا يقبل التفسير ولا اجتهاد مع صراحته فيكون تبعا لذلك واجبا إعماله والتقيد به تقيدا تاما .
وهذا التفسير يستخلص أيضا من اجتهاد المجلس الدستوري الذي ينبع من روح الدستور ويتوافق مع أحكامه المؤكدة دوما على دستورية التشريعات المتضمنة لإجراءات محسنة لأحكام التمثيلية السياسية النسائية
في مجال الانتخابات .
وحيث جاء في قرار المجلس الدستوري رقم: 11/821 م،وتاريخ 19/11/2011في الملف عدد : 11/1177″في شأن الأحكام المتعلقة بالدائرة الانتخابية المخصصة للنساء:حيث إن المادة 76 من هذا القانون التنظيمي تنص على إحداث دائرتين انتخابيتين على صعيد كل عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعات تخصص إحداهما للنساء، على أن لا يقل عدد المقاعد المخصصة لهن عن ثلث المقاعد المخصصة للعمالة أو الإقليم أوعمالة المقاطعات المعنية برسم مجلس الجهة، وفق مقتضيات المادة 77 من نفس القانون؛
وحيث إن الفصل 146 من الدستور يجعل من ضمن مشمولات القانون التنظيمي المتعلق بالجهات والجماعات الترابية الأخرى تحديد “أحكام تحسين تمثيلية النساء” داخل مجالس هذه الجماعات؛
وحيث إنه، يعود للمشرع اختيار نوعية الأحكام التي يرتئيها ملائمة لتحسين تمثيلية النساء في مجالس الجماعات الترابية، وهي أحكام يقتصر دور المجلس الدستوري بشأنها على مراقبة مدى مطابقتها للدستور؛
وحيث إن ما يقره المشرع بخصوص مجالس الجهات من تخصيص إحدى الدائرتين المحدثتين على صعيد كل عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعات للنساء، على أن تمثل مقاعد هذه الدائرة على الأقل ثلث عدد المقاعد المخصصة للعمالة أو الإقليم أو عمالة المقاطعات المعنية برسم الجهة، جاء تطبيقا لمبادئ أخرى أقرها الدستور نفسه والمتمثلة، فضلا عن أحكام المادة 146 آنفة الذكر، في ما يتضمنه فصله 30 من دعوة المشرع إلى وضع مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية في أفق تحقيق المناصفة باعتبارها هدفا تسعى الدولة إلى بلوغه وفقا للفصل 19 من الدستور
وبناء على ما سبق بيانه، ومع مراعاة أن تكون هذه التدابير القانونية، التي تمليها دواع مرحلية ومؤقتة ترمي بالأساس إلى الارتقاء بتمثيلية النساء بالمجالس الجهوية، محدودة في الزمن يتوقف العمل بها بمجرد تحقيق الأهداف التي بررت اللجوء إليها، فإن مقتضيات المادتين76 و77 ليس فيهما ما يخالف الدستور”
وتجد المرجعيات القانونية المتعلقة بتحسين أحكام التمثيلية النسائية السياسية أصولها المرجعية في الوثائق والصكوك الدولية التي أكد دستورنا المغربي في تصديره وجوب الالتزام بها باعتبارها تسمو على قوانينا الوطنية الداخلية
وهكذا نصت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 34/180 المؤرخ في 18 كانون الأول/ديسمبر 1979
تاريخ بدء النفاذ: 3 أيلول/سبتمبر 1981، وفقا لأحكام المادة27
والمصادق عليها من طرف المغرب بمقتضى ظهير رقم 2.93.4 وقام بإيداع أدوات التصديق يوم21/06/1993، وتم نشر الاتفاقية بالجريدة الرسمية بتاريخ 18/01/2001 في مادتها الثالثة على أنه “تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين، ولا سيما الميادين السياسية .. كل التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين. وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل”.
واكدت مادتها الرابعة على أنه ” لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية”.
ومن المهم البيان أن جمعيات المجتمع المدني، العاملة في إطار الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة،واكبت تفعيل مضامين المرجعيات القانونية المتعلقة بتحسين احكام التمثيلية السياسية للنساء ، تثمينا للمكاسب التي حققتها الحركة النسائية عموما و الحركة من اجل ديمقراطية المناصفة خصوصا و المتجلية أساسا في اعتماد آليات مكنت من رفع نسبة النساء في المجالس الجماعية من 12,5 إلى %21,2 في الانتخابات الجماعية ل4 شتنبر 2015 ، وهي خطوة ايجابية لم تتحقق عبثا بل بفضل مجهودات و نضالات الفرق البرلمانية و النساء البرلمانيات وكذلك بفضل الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، هذه الأخيرة التي قادت حملة للترافع من أجل جعل التمثيلية السياسية للنساء في صلب اهتمام المشرع السياسي،لخلق الانسجام ما بين الآليات المعتمدة لتحسين التمثيلية السياسية للنساء جهويا و محليا.
وانطلاقا من كون الحركة من اجل ديمقراطية المناصفة تعتبر هذه خطوة أولى تحتاج للتعزيز، من أجل تحقيق المناصفة التي نص عليها الدستور، و أن مسار بناء دولة ديمقراطية حقيقية يحتاج إلى تضافر الجهود بين كل الفاعلين و الفاعلات المدنيين و السياسيين، و إلى الرجال و النساء قصد فرض احترام الإجراءات المتعلقة بالتمثلية السياسية للنساء في المجالس المنتخبة ومسايرة توجه الدولة المغربية الداعي الى تعزيز موقع النساء في مراكز القرار السياسي باحترام منطوق القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات و الجماعات الترابية بما يضمن ثلث المقاعد للنساء على الأقل في مكاتب مجالس الجماعات الترابية .
و رعيا لدور القاضي الاداري الدستوري في حماية الحقوق والحريات وصون الأمن القضائي تطبيقا للفصل 117 من الدستور ،وضمان التطبيق العادل للقانون تطبيقا للفصل 110 من الدستور ،فإن التصريح بوجود حالة المخالفة الانتخابية للإجراءات الجوهرية للعملية الانتخابية المتعلقة بعدم احترام التمثيلية النسائية السياسية قائم ويعد خرقا للفصل 17 من القانون التنظيمي 14-113 المتعلق بالجماعات الترابية يترتب عنه بعد معاينتها من طرف المحكمة الحكم ببطلان العملية الانتخابية المتعلقة بانتخاب نواب رؤساء المجالس المحلية والجهوية ، والحكم تبعا لذلك بإعادة العملية الانتخابية كليا مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية .
والحقيقة ان الاجتهاد القضائي للمحكمة الإدارية بالرباط في مثل هذه النوازل يعتبر اجتهادا تاريخيا ومبدئيا يكرس الدور الخلاق للقاضي الاداري وفقا للأسس الدستورية والقانونية الوطنية والدولية في حماية الحقوق وصون الحريات طبقا للفصل 117 من الدستور والتطبيق العادل للقانون وفقا للفصل 110 منه ويندرج ضمنها وبصفة أساسية حماية حقوق المرأة بتكريس مبدأ المناصفة الانتخابية ومراعاة النوع الاجتماعي بضمان مشاركة المرأة في مكتب الجماعة بإقراره أنه ليس حقا شخصيا للمرأة المنتخبة فحسب، وإنما هو حق لكل المجتمع.
إن تطور القضاء الاداري يظل رهينا بالتعاون المثمر بين رجال القانون والحركة الحقوقية عموما بنسائها ورجالها وفقه القضاء في المساهمة العلمية والتراكمية التبادلية لمواكبة اجتهادات القضاء وإبداع الحلول القانونية والقضائية والدفاع عن الشرعية وسيادة القانون إما بشكل توقعي واستباقي كما رأينا في مبدأ المناصفة الانتخابية أو بشكل التعليق على القرارات القضائية الرصينة لتحقيق الأمن القانوني والقضائي ونشر المعلومة القانونية والقضائية .